أدى انخفاض منسوب المياه في قناة بنما والجهود المبذولة للحفاظ على ما تبقى منها إلى جعل بحيرة «جاتون» أكثر ملوحة. وقال «ستيف باتون»، مدير برنامج المراقبة الفيزيائية بالمعهد، إن الملوحة بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2020. تمكنت قناة بنما من تجنب أسوأ أزمة شحن هددت بقلب الاقتصاد العالمي رأساً على عقب، ولكن على حساب الحياة البحرية وإمدادات مياه الشرب في الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية. وبعد فرض قيود صارمة على حركة السفن العام الماضي بسبب الجفاف الذي أدى إلى انخفاض منسوب المياه، تعمل هيئة قناة بنما على زيادة عدد السفن التي يمكنها العبور.

وبفضل تدابير الحفاظ على البيئة، انخفضت مستويات المياه بما يزيد قليلاً عن قدم خلال العام حتى 12 مارس، مقارنة بثلاثة أقدام خلال نفس الفترة من عام 2023. بيد أن هذه التدابير لها آثار جانبية. وتقوم القناة بإعادة تدوير المياه من الأهوسة (القناطر) التي تمر عبرها السفن، بدلاً من مجرد رميها في المحيط. تصبح هذه المياه المعاد استخدامها أكثر ملوحة، ويتسرب بعضها إلى بحيرة جاتون، وهي بحيرة صناعية تشكل جزءاً من القناة وهي أيضاً أكبر مصدر لإمدادات الشرب في بنما. تسلط التحديات التي تواجهها قناة بنما الضوء على مقايضات حتمية تتعلق بمكافحة تغير المناخ.

وبينما يتخذ صناع السياسات إجراءات للحد من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد تكون هناك عواقب غير مقصودة على البيئة والاقتصاد. والوقت عامل جوهري: فالجفاف يغير بالفعل تدفقات التجارة العالمية، مما أدى في العام الماضي إلى خلق نقاط ضيقة على نهر المسيسيبي في الولايات المتحدة ونهر الراين في أوروبا. يقول «فريد أوجدن»، أستاذ الهندسة المدنية السابق بجامعة وايومنج، والذي قام بعمل مكثف في البلاد، إن بنما شهدت هذا العام ما يقرب من ثلثي هطول الأمطار المعتاد. وقد أدت عمليات تطوير القناة إلى تفاقم الوضع، لأن الأهوسة الجديدة التي تم افتتاحها في عام 2016 لاستيعاب السفن الأكبر حجماً تتطلب المزيد من المياه. وأوضح «أوجدن» أن تغير المناخ يعني أن «الأشياء تتغير بوتيرة تفاجئ الجميع بشكل أساسي».

لقد أدى توسيع القناة إلى «زيادة احتمالية وجود قيود بسبب الجفاف». وقد أدى انخفاض منسوب المياه في قناة بنما والجهود المبذولة للحفاظ على ما تبقى منها إلى جعل بحيرة «جاتون» أكثر ملوحة. وقال «ستيف باتون»، مدير برنامج المراقبة الفيزيائية بالمعهد، إن الملوحة بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2020، عندما بدأ معهد «سميثسونيان» للأبحاث الاستوائية في جمع البيانات، وما زالت في ازدياد. وارتفعت ملوحة البحيرة بعد افتتاح مجموعة الأهوسة الجديدة في عام 2016. وحتى تلك اللحظة كانت النسبة 0.05 جزء في الألف، ومع زيادة التدفقات التجارية ارتفعت بسرعة ووصلت إلى 0.35 جزء في الألف قبل أربع سنوات. وقال باتون إنها تقترب الآن من هذا المستوى مرة أخرى ومن المحتمل أن تصل إليه أو تتجاوزه قبل بدء موسم الأمطار.

من جانبه، قال «إريك كوردوبا»، كبير علماء المياه في هيئة القناة، خلال مقابلة أجريت معه في نوفمبر، إن العثور على مصادر جديدة للمياه العذبة سيكون أمراً بالغ الأهمية لضمان قدرة بنما على تلبية الطلب المتزايد من السكان وشركات الشحن والصناعة المحلية. وتتمثل إحدى الخطط في إنشاء خزان جديد في وادي نهر بالقرب من بحيرة «جاتون» لتوفير مياه إضافية، والقناة تتطلع أيضاً إلى الاستثمار في تجميع المزيد من مياه الأمطار للمساعدة في تقليل ملوحة البحيرة. في ظل الظروف العادية، تتعامل قناة بنما مع حوالي 3% من حجم التجارة البحرية في العالم و46% من الحاويات التي تنتقل من شمال شرق آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ومن الممكن أن تنتشر الاختناقات في القناة في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي، خاصة أن الهجمات التي يشنها «الحوثيون» في البحر الأحمر تزيد من اضطرابات الشحن.

في العام الماضي، أدى نمط الطقس النينيو إلى واحدة من أكثر الأعوام جفافاً على الإطلاق بالنسبة لقناة بنما، وأجبرها على خفض معدلات العبور. لكن ظاهرة النينيو تتلاشى الآن، مما يعني أن موسم الأمطار من المفترض أن يأتي في أواخر أبريل أو مايو، مما يسمح للقناة بتخفيف حدود الشحن. وستسمح الهيئة بعبور 27 سفينة يومياً بحلول أواخر مارس، ارتفاعاً من 24 سفينة حالياً ولكنها لا تزال أقل بكثير من الطاقة الاستيعابية قبل الجفاف البالغة 38 سفينة. وقال «خورخي لويس كويجانو»، المستشار والرئيس التنفيذي السابق لهيئة القناة، إن «التخفيض القسري» في عدد السفن «له التأثير المطلوب المتمثل في خفض إجمالي استهلاك المياه.

ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه التغييرات المواتية في الطقس ستكون كافية لضمان العودة إلى 38 عبوراً يومياً في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل». وقال كويجانو، إن القناة يمكن أن تزيد عدد السفن المارة إلى 30 أو 32 سفينة يومياً بعد انتهاء موسم الجفاف، ثم يتم رفع الحد تدريجياً إذا كان هطول الأمطار مناسباً. وقالت هيئة القناة، في بيان لها يوم 11 مارس، إنها تراقب مستويات المياه وستعلن عن أي تغييرات أخرى في الوقت المناسب.

وهناك مراقبون آخرون أكثر تفاؤلاً. قالت «جوليا جوننان تشاو»، عالمة البيانات الرئيسية في شركة «دن آند برادستريت» Dun and Bradstreet، وهي شركة عالمية تقدم البيانات والتحليلات، إن المعدلات يمكن أن تعود إلى وضعها الطبيعي خلال ثلاثة إلى خمسة أشهر. أي زيادة في عدد السفن عبر القناة ستكون بمثابة ارتياح لشركات الشحن، الذين دفع بعضهم ملايين الدولارات للقفز في الطابور بينما سلك آخرون طرقاً أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا أو أميركا الجنوبية. في غضون ذلك، لا تزال التهديدات التي تواجه مياه الشرب والحياة البحرية قائمة.

وقال «باتون» إن استراتيجية هيئة القناة لإعادة تدوير المياه يمكن أن تدفع الأنواع البحرية إلى البدء في التنقل بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، وتعطيل البيئات الساحلية وحتى تدمير المخزونات السمكية التي تعتمد عليها المجتمعات على طول المحيط الهادئ والبحر الكاريبي في الغذاء والسياحة. تعتبر أسماك التنين مثالاً على الأخطاء التي يمكن أن تحدث مع الأنواع الغازية. ويشتبه في أنها هربت من أحواض السمك على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة أثناء الفيضانات والعواصف، وتهدد الآن تجمعات الأسماك المحلية في خليج المكسيك ومنطقة البحر الكاريبي. ومن الممكن أن يؤدي إنشاء ممر جديد للمياه المالحة إلى إحداث دمار مماثل على جانبي بنما. إنه مثال على المخاطر التي يواجهها صناع السياسات وهم يواجهون تأثير تغير المناخ على إمدادات المياه العذبة. لقد عصف الجفاف بالمناطق في جميع أنحاء العالم العام الماضي، بما في ذلك الأميركيتين وأفريقيا والبحر المتوسط.

بيتر ميلارد* مايكل ماكدونالد** وإريك روستون***

*بيتر ميلارد – كبير مراسلي بلومبيرج في أميركا اللاتينية

**مايكل ماكدونالد -صحفي بارز لدى بلومبيرج

***إريك روستون -صحفي لدى بلومبيرج يغطي أخبار تغير المناخ.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»