هناك أمر يتدرج عند بعض الناس حتى يصل حد الإدمان أو المرض، واليوم هناك عيادات ومصحات خاصة به للعلاج من إدمانه أو محاولة الابتعاد عنه، وبأقل الأضرار، يستعمل له أحياناً دواء علاج مرض الاكتئاب، هذا الأمر هو التسوق، والتسوق الذي أتحدث عنه التسوق السلبي، التسوق دون الحاجة له، ويمكن أن يطلق عليه حمى التسوق أو مرض التسوق أو الإدمان على التسوق، أو شهوة الشراء، وهذا يبدأ بمراحل أولية غير ضارة، ولا منظورة، لكن مع العادة والادمان يتحول إلى ضرر"Shopaholics" ويطلق العلماء عليه مصطلح ''أونيو مانيا''، الذي أُقر لأول مرة قبل قرن من الزمان على يد عالم النفس في مدينة لايبزج الألمانية ''اميل كريبلين''· يبدأ باشتهاء الواجهات التجارية، وحب التوقف أمامها طويلاً، وتفحصها، وارتياد المحلات، وحب مطالعة الإعلانات في الصحف والمجلات والتلفزيونات، ومعرفة أوقات وأماكن التنزيلات ومواسمها، والتبحر في معرفة أنواع الماركات والعلامات التجارية، وأخبار أصحابها، وما تشتهر به، وجديدها باستمرار· المصابون بهذه الحمى، يكون جزء كبير من سفرهم مخصصاً لهذه الهواية المضرة، خاصة لغير القادرين أو ممن يعتمدون على بطاقات الائتمان وأفخاخها المنصوبة، وشرابيكها المخفية، كذلك تكون هناك فسحة للتسوق والتبضع من الأسواق الحرة للمطارات، وعادة شخص من هؤلاء يذهب بشنطة، ويعود يعتل أربع شنط· المصابون بهذا الداء لا يهم ما يشترون، المهم أنهم يشترون، يجدون راحة، ورضا عن النفس، وتهدئة حب التملك فيها، يشعرون أن أياديهم ترعاهم أو تحكهم، وجيوبهم دائماً مخبوقة لا يبقى فيها شيء، أن تأمل واجهة معروضات أو دخل أحد الـ''مولات'' يشعر بارتفاع نبضه، وثمة طفل يقوده، ويفرحه بخطواته المتسارعة نحو الأشياء، ولا يهدأ إلا حين يجمع أشياء مغلفة، ومربوطة، وموضوعة في أكياس مقواة، ولامعة، وتحمل اسماء محلات مشهورة، بعد هذا يشعر ببعض الندم، لكنه لا يسمح له بالبقاء في النفس، إذ سرعان ما يطرد مثل هذا الهاجس، لكي لا يعكر عليه صفو السعادة وغمرة الحبور التي شعر بها، وهو يدخل المحل، وهو ينتقي الأشياء، وهو يدفع، وهو يتملك شيئاً أحبه· يمكن أن يكون الشراء للنفس، وعادة يبدأ الشراء مثلاً بقميص جديد، ويجرك القميص إلى ربطة عنق، ثم إلى بذلة جديدة ومختلفة قليلاً عن التي اشتريتها قبل مدة من مطار مالطا، ثم تتذكر حذاء ليس فيه لمعة، ويتناسب مع ارتداء البذلة بعد الظهر فتشتريه، ويمكن أن تغريك الأمور بشراء ساعة، وإن كنت من المتأنقين يمكن أن تفكر بأزرار قميص فضية، أو بمنديل حريري لجيب البدلة العلوي، وهكذا تمشي معظم الأمور، لكن أحياناً تقف أمام واجهة محل للمجوهرات، فتشعر أن هذا العقد يصلح لذلك الجيد، وأن هذه الحقيبة النسائية تليق بمعصم سيدة الحضور، أو أن المناشف الملونة، وأغطية السرير القطنية الخالصة يمكن أن تضفي بعض الدفء على غرفتك، وهذا العطر يتطابق مع مساء ريّانة العود، وآخر يمكن أن يجعل من صباحها أكثر بهجة· اليوم·· هناك مثل هذا الشخص في دواخل معظمنا، في كل مكان، رجال أو نساء، وإن كان النساء يتفوقن بنسبة كبيرة على الرجال، يكبر، يصغر، له حضور دائم، أو شخص عابر، لكنه موجود، وأول المعترفين بهذا الشخص المبجل، والملاصق كالظل أنا، وقد رأيت مؤخراً فيلماً يتحدث عن الظاهرة نفسها "Confession of a shopaholic" والغريب أن بطلة الفيلم كانت صاحبة عمود صحفي، أعتقد أنها مفارقة فقط، لا تهتموا!