تعرضت مدينة أصفهان الإيرانية، القريبة من المراكز النووية الإيرانية، للقصف ليلة الثامن عشر إلى التاسع عشر من أبريل. الإسرائيليون لم يعلنوا مسؤوليتهم عن هذه العملية التي نسبها إليهم معلّقون كثر، وهو ما يسمح لإسرائيل بأن تقول إنها لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء الضربات الإيرانية ليوم 13 أبريل. وبالنظر إلى أن إسرائيل لم تتبنَ هذه الضربات رسمياً، وبالنظر إلى أن العملية التي استهدفت أصفهان لم تتسبب في أضرار كبيرة، فإن هذا يعفي الإيرانيين من الحاجة إلى الرد على هذه الضربات، ذلك أن السلطات الإيرانية كانت هدّدت بأنه إذا ردّت إسرائيل على هجمات الأسبوع الماضي، فإنها ستشن أعمالاً عدائية على نطاق واسع. والواقع أن هذه العمليات أظهرت أن الأمر إنما يتعلق بالدفاع عن مصداقية الخصمين: ذلك أن إسرائيل تستطيع أن تقول إنها ردّت على الهجوم وإنها لم تقف مكتوفة الأيدي، والإيرانيون، الذين يقولون إنه لم يكن هناك انفجار وأنه لم يحدث شيء، لن يكونوا ملزمين بالرد.
فهل تم تجنب التصعيد؟ الواقع أنه ينبغي النظر إلى تطور الأعمال العدائية: فواشنطن أعلنت أنه كانت هناك بالفعل ضربات ضد إيران، وأنها تنسب إلى إسرائيل، وأن الولايات المتحدة لم تشارك فيها. وإذا توقفت إسرائيل عند هذا الحد ولم تواصل هذا النوع من العمليات ضد إيران، فإنه سيكون بوسع الجميع القول إن الشرف الوطني محفوظ، على غرار المصداقية التي كانت على المحك، وهو ما سيسمح بتجنب الدخول في منطق تصعيد يمكن أن تكون له عواقب خطيرة وغير محسوبة على المنطقة.
ما يمكن تأكيده في الوقت الراهن هو أن إسرائيل خرجت منتصرة من هذه المواجهات. لماذا؟ لأنه في أعقاب الضربات الإيرانية التي استهدفت أراضيها يوم 13 أبريل والتي لم تتسبب في سقوط ضحايا بفضل فعالية «القبة الحديدية» والمساعدة التي قدّمتها لها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ظهر مرة أخرى تضامن أوروبي وأميركي مع إسرائيل، ذلك أنهم نددوا جميعهم بالضربات الإيرانية، وأعلنوا أنهم سيتخذون عقوبات إضافية ضد إيران، بدون أن ينددوا بالهجوم الذي شنّته إسرائيل على مباني القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل. كما أنهم لم يتخذوا أي إجراء عقابي ضد إسرائيل بسبب جرائم ترتكبها في غزة أو بسبب الاحتلال غير القانوني المتواصل في الضفة الغربية.
هذه الحادثة منحت إسرائيل نوعاً من الاستراحة الدبلوماسية: ذلك أن علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية كانت متوترة، بدون أن تكون لذلك أي عواقب حقيقية، غير أنه كان هناك مع ذلك هذا الخلاف الدبلوماسي بين إسرائيل من جهة، والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخرى. ومرة أخرى، ظهر هذا التعبير عن التضامن في مواجهة التهديد الإيراني لأن إيران تمثّل مصدر نفور مشتركاً للأوروبيين والولايات المتحدة وإسرائيل. وفضلاً عن ذلك، أدى هذا التنديد العام وهذه العقوبات عموماً إلى تحويل الانتباه -- نسبياً -- عن غزة، حيث يتواصل القصف وعدد القتلى في ارتفاع. كما أنه ليس هناك أي حديث عما يحدث في الضفة الغربية، خاصة عندما يعتدي المستوطنون على الممتلكات الفلسطينية والأرواح الفلسطينية في ظل إفلات تام من العقاب. إذ يسقط قتلى، وتحدث إصابات، وكل ذلك تحت أنظار الجيش الإسرائيلي.وفي الأثناء، كان هناك تصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول قبول انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة باعتبارها العضو رقم 194. فرنسا صوّتت لصالح هذا القرار، الأمر الذي مثّل مفاجأة سارة في الواقع مقارنة مع خجل نسبي بخصوص القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة. ولكن وكما كان متوقعاً، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) ضد قبول الانضمام، وهو ما يُظهر نفاقها لأنها تدّعي أنها تؤيّد حل الدولتين، ولكنها تعارض قبول فلسطين في الأمم المتحدة. ثم إنه من غير المفهوم كيف يمكن إنشاء دولة فلسطين بموافقة إسرائيل من خلال مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت الراهن.. وفي نهاية المطاف، تفاخرت إيران بضرب إسرائيل، ولكن يبدو أنها لم تأخذ بعين الاعتبار كيف أنها نجحت في أن تخلق تضامناً حول إسرائيل.
وبعد ذلك بوقت قصير، صوّت الكونجرس الأميركي على مساعدات بقيمة 90 مليار دولار لكل من أوكرانيا وإسرائيل وتايوان وضحايا النزاعات الحالية. هذه المساعدات (التي ستذهب 61 مليار دولار منها إلى أوكرانيا مباشرة) ظلت معلّقة لمدة 6 أشهر. وربما يعزى هذا التغير في موقف الكونجرس جزئياً إلى التحذير الذي أصدره رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام برنز من أنه بدون مساعدات سريعة، فإن أوكرانيا ستخسر الحرب. ولكن تلك المساعدات أضحت بكل تأكيد أقرب من أي وقت مضى بعد ردود الفعل التي أعقبت الضربة الإيرانية على إسرائيل. وبهذا المعنى، بوسع الرئيس الأوكراني أن يشكر  طهران. وبالمقابل، لا بد أن روسيا تشعر بأن حليفها الإيراني لم يسدِ له أي خدمة بتاتاً.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس