يُبرِز التنافسُ الخليجي على الاستثمار في مصر حرصَ دول الإقليم على دعم الاقتصاد المصري، بالتوازي مع تحقيق مصالح وفوائد متبادلة لجميع الأطراف، فضلاً عما يصنعه هذا التوجه من تعبيد للبيئة الاستثمارية سيقود إلى تسهيل جذب المزيد من رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الصناديق الدولية لدعم مصر.

ومع إعلان دولة الإمارات عن استثمارها الأضخم في مصر بقيمة 35 مليار دولار، بما يعكسه هذا الاستثمار من رغبة إماراتية في مواصلة أداء دور محوري على الساحة الإقليمية من بوابة الاقتصاد، فإن هذه الخطوة مثّلت في نظر محللين اقتصاديين دعماً مهماً لمصر واقتصادها الذي كان يبحث عن حلول عاجلة لتحفيز النمو، وإيجاد فرص عمل جديدة، وهذا ما يمثله مشروع «رأس الحكمة» الذي يستهدف تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية تجذب ملايين السياح سنوياً، ما يسهم في زيادة الإيرادات واستدامة النمو في مصر.

ومن خلال هذه الاستثمارات تعزز الإمارات مكانتَها قوة اقتصادية وجيوستراتيجية مهمة في المنطقة يمكنها التأثير بدور أكثر فاعلية في الشؤون الإقليمية لتحقيق الاستقرار، وتجسيد رؤيتها الرامية إلى محاربة التطرف والتركيز على دعم ازدهار المنطقة وشعوبها، حيث يمثل استقرار مصر مدخلاً أساسياً لتحقيق الأمن والتنمية في المنطقة بأسرها.

ومن هذا المنطلق تعد الاستثمارات الخليجية في مصر خطوةً استباقية للحفاظ على الاستقرار الإقليمي ودعم دولة محورية في الشرق الأوسط. الخطوة الإماراتية لم تكن مجرد دعم مالي، بل إشارة قوية للمجتمع الدولي وللمستثمرين الأجانب بأن مصر بيئة جاذبة للاستثمار، وهذا يعزز ثقة المستثمرين، ويحفز الدول الأخرى والصناديق الدولية على تقديم مساعدات أو الدخول في شراكات استثمارية مع مصر، ما يوفر دَفعة قوية لاقتصادها. وبذلك تفتح الاستثمارات الخليجية الباب لفرص استثمارية جديدة في مجالات متنوعة، مثل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا والسياحة، في تنوع يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وخلق فرص عمل للشباب المصري، ما يساعد في تخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

ووفقاً لتحليلات اقتصادية، فإن صفقة «رأس الحكمة» حفّزت على خطوات خليجية إيجابية أخرى لدعم مصر من خلال الاستثمار في مشروعات عملاقة، ومن ذلك مشروعات خليجية  أخرى  لتطوير منطقة شاطئية في مصر.. بحيث ينظر إلى هذه الخطوات الخليجية المتتابعة باعتبارها تصب في مصلحة مصر واقتصادها، وتمثل فرصةً ذهبيةً لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الاستثمارات، ولتطوير التعاون الخليجي المصري ليتخذ شكلاً استراتيجياً من أشكال التعاون بغية بناء نموذج للتنمية واستثمار الموارد المالية مع الموارد السكانية ومميزات الموقع الجغرافي، بما يعزز الاستقرار والتنمية للجميع.

وستستغل مصر هذه الفرصة لتضمن استدامة النمو، وتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية على ضوء الإصلاحات التي تركزت في إنهاء ازدواجية سعر الجنيه المصري مقابل الدولار، وهي خطوة شجاعة لمس المصريون أثرَها من خلال عودة تدفق تحويلات المصريين في الخارج إلى البنوك في الداخل، بعد انتهاء الحاجة إلى التعامل مع السوق الموازي.

ويمكن القول إن مصر بعد صفقة «رأس الحكمة» أنجزت خطوة أخرى مهمة سيكون لها أثرها المباشر والعملي على تحسين بيئة الأعمال، وسوف تسهم في جلب المزيد من الاستثمارات الخليجية والعالمية إليها، ويبقى التنافس الخليجي على ضخ الأموال في السوق المصرية إيجابياً، ويخدم كل الأطراف، ويعزز من رفاهية وازدهار شعوب المنطقة، ويحميها من الفوضى، ومن الذين يتمنون إشعالها لنشر العنف.

*كاتب إماراتي