رغم أهمية الملفات الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة، مثل أزمة أوكرانيا وآلية التعامل مع روسيا الطامحة للعب دور سياسي واقتصادي أكبر في العالم، والملف الصيني المرتبط بموقع وحجم الصين ومنافستها للولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، والتوتر بين الصين وتايوان، وأزمة الشرق الأوسط والحرب الدائرة في قطاع غزة، ورغم أن تلك الملفات الخارجية هي ملفات حيوية ومهمة لواشنطن، وقد تكون مؤثرة في الانتخابات المقبلة، فإن تأثيرها محدود، فتطلعات الناخبين مختلفة وغالباً مرتبطة بالأوضاع الداخلية، وتحديداً بالأمور التي تؤثر مباشرة على المواطن الأميركي، وهنا نتحدث عن الاقتصاد، العامل الأبرز الذي سيحدد توجهات الناخب ولمن سيصوت في الانتخابات المقبلة.

وهناك ملفات حيوية أخرى تهم الناخبين، وهي تتعلق بموضوع الهجرة، وتدفق المهاجرين القادمين من الحدود الأميركية المكسيكية، وهو ملف سيكون له تأثير على فئة كبيرة من الناخبين خاصة المعارضين للهجرة والمطالبين بالحد منها، وتحديداً الولايات الحدودية مع المكسيك مثل تكساس ونيومكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا. وليس هناك ملف حاسم آخر هو ملف الإجهاض الذي سيكون من القضايا الهامة التي سيتم التركيز عليها في الانتخابات المقبلة. دائماً الاقتصاد ضمن أولويات الأميركي. ومع أن المؤشرات الاقتصادية إيجابية، خاصة في ما يتعلق بتوفر الوظائف والنمو الاقتصادي، فإن الناخب الأميركي قلق جداً من استمرار التضخم وارتفاع الأسعار الذي أثر بشكل مباشر على الطبقة العاملة، وولّد لديها هاجساً من استمرار الغلاء، فأسعار العقارات ازدادت بشكل كبير مؤخراً، فضلاً عن ارتفاع أسعار الفائدة، مما أثر على تكاليف التمويل العقاري والدفعات الشهرية للمشترين عن طريق التمويل البنكي، وأثر ذلك بشكل مباشر على تكاليف الإيجار.

وكل ذلك سيؤثر على مزاج الناخب وتوجهاته بين الحزبين الرئيسيين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، حيث وجد الرئيس السابق دونالد ترامب الفرصة لإغراء الناخب الأميركي والحديث عن جزئية ارتفاع أسعار الفائدة، وأثرها على التمويل العقاري، وحمّل الرئيسَ بايدن وحزبَه المسؤوليةَ عن ذلك. لكن على الجانب الآخر، يُحسب لبايدن ما حققه عقب وباء كوفيد حيث منع حدوثَ انهيار اقتصادي، بل نجح في زيادة النمو بشكل عام، وهو أمر سيجذب الناخب، ويعيد الثقة بالحزب الديمقراطي ومقدراته الاقتصادية. لكن قضية الهجرة مؤرقة لبايدن تحديداً، إذ اصطدم مع حاكم تكساس بسبب تدفق آلاف المهاجرين عبر الحدود بشكل غير قانوني.

ويرى بايدن أنه يجب إصلاح نظام الهجرة الذي تشوبه عيوب حسب وصفه، فيما تعهد ترامب بترحيل واسع للمهاجرين فور فوزه بالرئاسة، وهو يضغط باتجاه عرقلة أي إصلاح لسياسة الهجرة قبل الانتخابات عن طريق المشرعين «الجمهوريين»، وبذلك يظل هذا الملف معلقاً، مما يخدم مصلحة ترامب الذي يغري «الجمهوريين» المتخوفين من دخول آلاف المهاجرين غير الشرعيين. الملف الداخلي الآخر هو قضية الإجهاض، حيث من المعروف أنه في عام 2022 حكمت المحكمة الدستورية بوضع قيود على عمليات الإجهاض، الأمر الذي ولّد معارضةً كبيرة من المؤيدين لحق الإجهاض، خاصة حركات الدفاع عن حقوق الإجهاض، وقد حشد الحزب الديمقراطي حول هذا الملف، وحقق تقدماً في بعض الولايات من خلال تأييد الجمهور، وتبنّى سياسات تدعم حق المرأة في الإجهاض، وهو يتحدث عن أسباب اجتماعية وحقوقية تدفع قسماً كبيراً من الناخبين الديمقراطيين لتأييد الحق في الإجهاض، على عكس المحافظين من الجمهوريين الذين يرفضونه، ويضغطون باتجاه تأييد موقفهم المناهض للإجهاض.

*كاتب إماراتي