في ديسمبر 2022، قرر صندوق النقد الدولي، تجميد قرض لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، لعدم قدرتها على «تعويم» كامل لسعر صرف الجنيه. وذلك في وقت يشهد نقصاً ملحوظاً في العملة الأجنبية وسط موجات تضخمية ولجوء إلى «الدولرة» في السوق السوداء واقتناء الذهب.. فضلاً عن تداعيات حرب إسرائيل في غزة، وتراجع دخل قناة السويس.. مما جعل بعضَ المراقبين يصفون عام 2023 بأنه أحد الأعوام الصعبة في تاريخ الاقتصاد المصري.

لكن نظراً لعدم القدرة على تنفيذ «التعويم الكامل»، لأسباب «قومية» تتعلق بـ«الفجوة الدولارية» القائمة، فقد بدأت مسيرة «التعويم التدريجي» في نوفمبر 2016 عندما حصلت مصر على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار. ونتيجة تنفيذ الخطوة الأولى من «التعويم الجزئي» ارتفع سعر الصرف الرسمي لـ«دولار مصر» من 8.85 إلى 15.77 جنيه. وفي الخطوة الثانية في مارس 2022 ارتفع سعر الصرف إلى 19.7 جنيه، وتابع ارتفاعه في خطوتين متتاليتين (الثالثة والرابعة) وصولاً إلى 31 جنيهاً في يناير 2023. لكن «الفجوة السعرية» تزايدت بالمقارنة مع سعر السوق السوداء الذي تجاوز 65 جنيهاً.

ولعل الخطوة الخامسة جاءت خلافاً للخطوات السابقة، وقد بدأت في أول مارس الجاري، وهو يوم تاريخي لإبراز كفاءات مصر المالية وقدرتها على تجاوز «الفجوة الدولارية» المقدرة بنحو 50 مليار دولار، واستعادتها الثقة الدولية، لمواكبة «التعويم الكامل» لسعر صرف الجنيه الذي ضرب السوق السوداء، مسجلاً نحو 42 جنيهاً للدولار بين المصارف، ثم استقر في التداول على نحو 50 جنيهاً، وذلك وسط استعداد حكومي لمواجهة مخاطر التضخم، بما تملكه من أموا ل نقدية، وتدفق استثماري كبير، يقدره الخبراء بما لا يقل عن 100 مليار دولار خلال العام الحالي، وما تتخذه الحكومة من إجراءات لضبط الحركة المالية والاستثمارية، وحوافز لجذب المستثمرين العرب والأجانب، وما يحملونه من أموال «ساخنة».. وأهم هذه الإجراءات ارتفاع سعر الفائدة إلى نحو 28.25 في المئة. مع توقع بنك «جي بي مورغان» زيادتها 200 نقطة جديدة لتتجاوز نسبة 30 في المئة.

وإضافة إلى قرضين من صندوق النقد الدولي بقيمة 9.2 مليار دولار، وقرض من البنك الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، هناك نحو 9 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي.. وكلها «مجدولة» لسنوات عدة وضمن برامج محددة.

ومن هنا تبرز أهمية قيمة وفعالية الصفقة التي أبرمتها الحكومة المصرية مع شركة «القابضة أي.دي.كيو» بقيمة 35 مليار دولار لاستثمار مشروع تطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» على الساحل الشمالي. وقد تسلمت منها مصر مبلغ 10 مليارات دولار، إضافة إلى تحويل 5 مليارات من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي قيمتها 11 مليار دولار.أما المبلغ الباقي، أي نحو 20 مليار دولار، فسيتم دفعه قبل مايو المقبل.

مع العلم أن العائد الاستثماري لهذا المشروع يقدر بأكثر من 150 مليار دولار، وحصة الحكومة المصرية منه 35 في المئة. ويأتي هذا التطور الكبير ضمن العلاقات الأخوية التي تربط البلدين، على المستويين الشعبي والرسمي، وهو يترجم البنيان المتين على الصعيد السياسي تاريخياً، حيث تعد الإمارات من أكبر الدول المستثمرة في السوق المصرية، وتشكل خطوتها الاستثمارية الأخيرة «حركة متطورة» جداً تُضاف إلى مجموع الاستثمارات الخليجية في مصر والمقدرة بنحو 70 مليار دولار، تعود إلى 8500 شركة سعودية وإماراتية وقطرية وبحرينية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية