في أرض «غزة» لم يدفن الإنسان الفلسطيني، فحسب، بل دُفن معه الضمير الإنساني وقد وصل به أن يقول: إنساني؟!
وحين هرع الناس لالتقاط المساعدات الإنسانية المتساقطة من «الطائرات»، لا يزالون يتعرضون للهجمات.. فهل مر على البشرية من قبل مثل هذه اللحظة؟!
دققوا معي في التدرج في الهجمات التي تطال المدنيين، لننقل لكم صورة من المستشفى عندما تُسوى بالأرض ويعامل مبناها على أساس أنه هدف عسكري، من أين خرج هذا، في أي قانون، أرشدونا إليه؟!
في المكان نفسه يُقتل المدير والطبيب والممرض والمريض والمرأة التي تضع وليدها في التو والطفل بعد الولادة بثوان معدودات، والحامل قبل أن تضع طفلها، وكذلك المريض أو الجريح المنقول عبر سيارات الإسعاف لا يسلم من الموت.
هذا إهلاك للحرث، أما النسل فقد أبادت في قصف عمارة واحدة بعد أن سوتها بالأرض، 150 فرداً من عائلة واحدة تشمل كل خيوط العلاقة الإنسانية بينها، فمن الجد الأول إلى أدنى فرع في تلك العائلة، فلم يبق منه جذر ولا فرع على قيد الحياة؟!
لقد وصفت إعلامية هذا الوضع أثناء تغطيتها الحرب قائلة: كنت وزميلي المصور نتلقى الأخبار عبر الهاتف المحمول، وإذا بالخبر العاجل عن قصف منزل زميلي المصور والوقت ليل ولا يمكن التحرك فيه، ولا بد من انتظار الصباح رغم قصر المسافات، فتسمر في كرسيه حتى الصباح «مقهوراً» على هذا الحال الذي لا يستطيع فيه أن يدفن أهله وهو قريب منهم، من هنا أدركت معنى «قهر الرجال»؟!
عالم اليوم، يدفن الضمير الإنساني العالمي، فلا مكان للحكمة في نصر الظلم وتحقيق العدالة. بات الضمير الإنساني العالمي مجرد خواطر لا نصرة فيها للمتظلم والضعيف.
ولو عدنا للوراء قليلاً إلى تسعينيات القرن الماضي المحكمة (الجنائية) الدولية، وهي تحاكم من قتل 50 شخصاً، ولا تحاكم من قتل 25000 شخص، وشرد مليون شخص، وترك وراءه 10000 معاق.
وما زالت تبحث عن دليل الإدانة، ونرى مجرمي الحرب طلقاء، ومن جانب آخر ما زالوا يناقشون مدى قانونية تلك الجرائم.
أين القيم الأخلاقية والإنسانية في المجتمعات التي تنادي ليل نهار بالحرية والديمقراطية؟
وخير مثال على غياب الإنسانية من القاموس الدولي، أن ميزانية جمعية الرفق بالحيوان برئاسة بريجيت باردو بلغت 18 مليون دولار في عام 1988. و ما تم صرفه على علاج الكلاب والقطط يفوق ميزانية ثلاثين دولة أفريقية في عام واحد.
لقد اعترى الشح كل شيء، حتى أخلاق الناس وإنسانيتهم.
أكد وزير الخارجية الفلسطيني أن إسرائيل تتحدى أمر محكمة العدل الدولية القاضي «بمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة». وقد أصبحت فلسطين الاختبار الأعظم أمام المؤسسات الدولية، ومفهوم الإنسانية حول العالم. وحان الوقت لوضع حد لازدواجية المعايير التي عانى منها شعبنا، ونطالب بحقنا بتقرير المصير. 

*كاتب إماراتي