يكثُر الحديث في الوقت الحاضر عن المخاطر التي تتهدد العالمَ مع انتشار الحروب والصراعات المسلحة التي شملت كل مناطق العالم، وهو ما يستدعي الذاكرة التاريخية للحروب في العالم. فالحرب العالمية الأولى التي وقعت قبل أكثر من مائة عام بقليل، ما زالت حاضرة في الذاكرة السياسية والعسكرية للإنسانية والعالم، كما أن الحرب العالمية الثانية التي وقعت منتصفَ القرن الماضي، هي الأخرى تهيمن على واقعنا السياسي والعسكري والأمني المعاصر، وتنذر بويلاتها ومآسيها التي عايشها العالم مِن تكرار تجارب الحروب الكبرى، أو ما يعرف بـ«الحروب العالمية»، نظراً لاتساع حجم الدول المنخرطة فيها، أو لارتفاع أعداد الضحايا وحجم الدمار والمآسي المصاحبة لها.
ورغم ما يؤكده الكثير من الخبراء والساسة، من أن العالم أصبح أكثر تحصيناً من أي وقت مضى ضد الوقوع في حرب عالمية أخرى، بعد استيعابه دروسَ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما جرتاه على البشرية من دمار وويلات استمرت لسنوات طويلة، لا سيما وأن العالم يعيش اليوم في كنف منظومة دولية راسخة ومستقرة.
لكن رغم استكمال بناء المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة التي أكدت قدرتَها على إدارة شؤون العالم بنجاح وفاعلية، وأثبتت قدرتَها على صون الأمن والسلم العالميين، وعززت دورها بتعدد هيئاتها ووكالاتها ومنظماتها الدولية، وبما تبديه كافة الدول من احترام لها ومن التزام بقراراتها.. فإن هواجس الخشية من حرب عالمية ثالثة ما زالت كبيرة، وبواعث القلق منها تتزايد مع نشوب كل حرب أو تَوسُّع نطاقها. فالحرب العالمية الأولى اندلعت شرارتها بسبب غزو النمسا لصربيا بعد عملية اغتيال ولي عهد النمسا من قبل مواطن صربي، ثم سرعان ما تداعت الدول لهذه الحرب التي مثلت التجاذبات السياسية والتحالفات العسكرية بين أوروبا وروسيا وقودها الأساسي. ثم كانت نتائج وإفرازات تلك الحرب هي السبب الرئيسي لنشوب الحرب العالمية الثانية، لا سيما معاهدة فرساي والقيود التي فرضها الحلفاء بقيادة بريطانيا على خصومهم بتلك الحرب.
واعتقد الساسة والعسكريون بأن الحرب العالمية الأولى أنهت كلَّ فرص الحروب الكبرى في العالم، حتى جاءت الحرب العالمية الثانية لتعصف بذلك الاعتقاد، إذ اندلعت حرب كانت هي الأكثر بشاعةً ودماراً على وجه الأرض، وفتحت الباب مشرَعاً لاحتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة عظمى، خاصةً مع ما شهده العالم من تطور على صعيد الأسلحة النووية والبيولوجية والهيدروجينية وغيرها من وسائل الدمار الشامل. ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وبوادر انفجارها مع دول الجوار حال حدوث تغيير في موازين الحرب الدائرة عند بوابة أوروبا وعلى أعتاب حلف «الناتو»، فقد برزت نُذر نشوب حرب بين القوى الكبرى في العالم. وهو احتمال قائم حال اتساع الحرب الحالية أو تَعرُّض إحدى دول «الناتو» لهجوم.
 وفي الشرق لا تبدو مؤشرات السلام جيدة هناك، مع تزايد التوترات العسكرية الصينية الأميركية، وكذلك التوترات في شبه الجزيرة الكورية. وقد لا تكون اليابان بعيدةً عن تلك المعركة إن نشأت.
 كما أصبح الشرق الأوسط وشمال أفريقياً مليئاً بالحروب والتوترات التي تمتد على طوله بين القارتين الآسيوية والأفريقية، وثمة صراعات قد تنفجر في أي لحظة لتُدخل العالمَ في حرب عظمى لا يمكن تصور حجم دمارها وخرابها على البشرية والعالم.


* كاتبة إماراتية