ظهرت سريعاً التأويلات المغرضة لمضامين اتفاقية الشراكة الاستثمارية التي وقعتها الإمارات مع الحكومة المصرية لتطوير منطقة رأس الحكمة، وذلك على حساب التحليلات العقلانية التي اعتبرت الصفقة بشارةَ خير للاقتصاد المصري، وجزءاً أساسياً من الحلول المستدامة لتوفير المزيد من فرص العمل والسيولة المالية ودعم التنمية، وهذه الحقائق تهزم التحليلات السلبية، وتكشف أنها موجهة من جهات تسعى للترويج لمعلومات مغلوطة بقصد إثارة الفتن والتضليل والتشكيك في كل خطوة إيجابية.

ولا يمكن اعتبار التشكيك في هذا المشروع الكبير أنه يندرج ضمن الرأي الآخر أو التحليل المحايد، لأنه يتجاهل حقيقة أن كل مشروع وعدت به الإمارات أو كانت شريكة فيه مع مصر تحقق على أرض الواقع وجلب الخير لمصر، ومشروع «رأس الحكمة» يتضمن مجموعة مشروعات سياحية وسكنية وتجارية وصناعية وزراعية وخدمية تكلف مليارات الدولارات، وسيكون الواقع في المستقبل شاهداً على تحققها.

ولا شك في أن الأغلبية الواسعة من المتابعين والعارفين تنظر إلى الاتفاقية من زاوية ما تحمله من فرص للبلدين، وما تمثله من رؤية استراتيجية للتعاون والتكامل الاقتصادي، وما تعكسه من تطور ونهضة في المنطقة العربية.. وهم يعتبرون صفقة رأس الحكمة خطوةً استراتيجية جاءت في التوقيت المناسب لإنعاش الاقتصاد المصري، حيث تبلغ تكلفة اتفاقية الشراكة 35 مليار دولار، وقد بدأ تأثيرها الإيجابي يتضح بالفعل من خلال رصد توقف صعود قيمة الدولار، وحدوث انخفاض لصالح الجنيه بعد الإعلان عن الاتفاقية مباشرةً.

وأي تحليل عقلاني منصف لا بد أن ينظر إلى هذه الصفقة باعتبارها وسيلةً لخلق فرص عمل جديدة، ولجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، ولتحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة السياحة والصناعة.. وهو ما يدعو إلى التفاؤل. لكن المتشائمين لا ينطلقون من تفسيرات منطقية، بل من افتراضات يروج لها الكارهون لنهوض مصر وتلاحمها مع الإمارات والخليج، ومحاولاتهم في هذا الاتجاه مستمرة وتتكرر من خلال استدعاء أوهام ينسجونها من وحي الخيال.

ولا يخفى على أحد أن تيار «الإخوان» لا يتمنى أي تطور اقتصادي للمنطقة العربية برمتها، وفي مقدمتها مصر، وهدف هذا التيار هو الاستحواذ على ثروات المجتمعات وإدخالها في دوامة الفقر والتخلف، والعيش تحت سلطة الأفكار الظلامية والجماعات المتناحرة التي تزرع الفشل والخراب أينما حلّت. ويزداد شعور المتطرفين بالتوتر والانفعال مع ارتفاع مؤشرات التنسيق وزيادة التعاون الاقتصادي العربي، لأنهم ضد التكامل والترابط بين الدول العربية، ويفضلون بدلاً من ذلك أن تتجه الشعوب نحو الفوضى والفتن، لأن مثل هذه الظروف توفر لهم المدخل الوحيد للتمدد والسيطرة، بينما ينكمشون في ظل الاستقرار والنهوض، وفي ظل ارتفاع الوعي واهتمام الأجيال الشابة بمستقبلها، واهتمام الحكومات بإطلاق المشروعات العملاقة ذات الأثر الاقتصادي التنموي.

وهنا يكمن السر وراء صراخ المتطرفين وتخوفهم من أحدث اتفاقية استثمارية بين الإمارات ومصر، وهي الصفقة الرابحة للجانبين الإماراتي والمصري، والتي تعد نموذجاً للتعاون المثمر، وتأكيداً على أن البلدان في الطريق الصحيح نحو تحقيق الازدهار لأجيال المستقبل، وهو الطموح المشروع الذي يمتلك قوة أخلاقيةً نبيلةً، ويحظى بالدعم والتأييد الشعبي، بينما يمثل سعي المتطرفين للتشكيك في كل خطوة إيجابية الوجه الحقيقي لتيارهم الذي لا يملك سوى الترويج لبضاعة التطرف والجهل والفقر، وحرمان الأفراد من التفكير العقلاني، ومن البحث عما يفيدهم في الحاضر والمستقبل.والدرس المستفاد من أساليب تناول هذه الاتفاقية، أن التناول الهادف والموضوعي هو ذلك الذي يلتزم بتقديم المعلومات الدقيقة والموثوقة والمستندة إلى المصادر الرسمية، وليس ذلك الذي يتعمد على نشر الأكاذيب وصناعة الأوهام وترويجها.

*كاتب إماراتي