دار الحي، حاضنة عصارة أفكار ثلثي خبرات دول العالم على مستوى الدول والشعوب. ولا تجد لمثل هذا الملتقى مثيلاً أو شبيهاً لأنه يجمع بين أصحاب القرار وصنّاعه مع منفذيه في كل دولة على حدة، مما يسهل عملية التطبيق ومن ثم التغيير في اختصار الوقت والجهد.
تقف مع أحد المفكرين المشاركين في هذه القمة المستدامة دقائق معدودة، فتخرج معه بحصيلة تكفيك للقمة المقبلة، فكيف لو مكثت مع مجموعة خارج برنامج القمة الرسمية، فالعصف مطلق العنان، خاصة إن كان مخضرماً رافق أكثر من جيل.
تجد أثر التجارب على شعر رأسه المبيض، ليس شيباً فحسب بل عراكاً أمام تحديات الحياة وتقلباتها، تلتقط من فمه الكلمات كحبات اللؤلؤ المتناثرة حكمة وتواضعاً.
من حسن التوافيق، أني متواصل مع برامج القمة في جميع نسخها، ومدرك لومضاتها من دورة إلى أخرى. ما أطرحه هنا، رأيي الخاص، مع إدراكي بأن لكل من حضر وجهة نظر في ما عرض على الجمهور الصعب على العد. لقد وقفتُ أمام تجربة ألبانيا المعاصرة، من بعد استقلالها عن ربقة الاتحاد السوفييتي، وقد كانت معصورة ومحشورة بين جناحيه قبل ذلك!
نموذج اختصر زمن صعوده عبر مسار الذكاء الاصطناعي، وكافة أنماط التقنية الحديثة في أرقى نسخها التي يصعب اللحاق بها.
عرض شفاف تم تقديمه منذ الانفصال عن «الاتحاد» الأب، مع تركة ركام فساد العهد الماضي في كل المجالات بلا حدود، إلى ساعة صناعة النموذج الخاص بالدولة الألبانية التي تفتخر اليوم بشواطئها الممتدة لقرابة 700 كيلومتر تخلب الألباب.
واجهت ألبانيا أكبر تحد في سبيل إتمام صناعة دولتها الفتية بالمعنى الزمني وليس التاريخي من دولة لم تكن في الحسبان؟!
إنها حرب سيبرانية قاسية كادت تودي بمشروع ألبانيا نحو النهوض ومن ثم الصعود. ومع ذلك استطاعت الحكومة الألبانية تجاوز هذا الوضع بحكمة واقتدار، دون الدخول في مناوشات لا طائل من ورائها إلا التأخر في مشروعها المستقبلي، وقد عالجت هذا التحدي من خلال المسار التكنولوجي وليس العسكري «بالطبع» بتقوية السياج الأمني حول برامجها التقنية.
أما بالنسبة لعقبة «الفساد» الأولى، فقد تم التغلب عليها بإصلاح أنظمة مؤسسات الدولة وقوة القانون.
نقف أيضاً أمام تجربة «سيشل» الجزيرة التي تعوم في المحيط الهندي، ماذا لديها لتقدم نفسها لبقية القارات أو المحيطات؟!
سيشل سكانها قرابة مائة ألف نسمة، يعيشون على مساحة تقدر بـ 500 كيلومتر مربع، ليس لها موارد غير «السياحة المستدامة» هذه هي الصناعة التي تصدرها إلى العالم، من دون الاستعانة بأي مؤسسة مالية، فهي مكتفية بوضعها الاقتصادي من دون طرق أبواب صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي كذلك.
فالكثرة في أي مورد ليس شرطاً لنجاح مشاريع التنمية المستدامة، لأن رأس المال البشري أهم من أي رأس آخر إذا أحسن رعايته واستثماره، فهو الأصل والباقي يأتي تباعاً، وأي دولة تعكس هذه المعادلة الاقتصادية في التنمية يعني بالمقابل إهدار الجوهر من أجل المظهر أو السمعة ليس إلا.
*كاتب إماراتي