بعد سنوات عديدة من صعود البشر إلى سطح القمر، كانت فرنسا لا تزال تعدم المدانين في قضايا الإعدام بالطريقة القديمة، كما كانت تفعل لأكثر من قرنين من الزمان: «بأخذ رجل حي وشطره إلى قسمين».

كان هذا هو الوصف الصادم الذي قدمه «روبرت بادينتر» عمداً لطريقة عمل المقصلة، التي ظلت الشكل القانوني لعقوبة الإعدام في فرنسا حتى عام 1981، عندما تم إلغاؤها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى جهوده عندما كان يشغل منصب وزير العدل. عندما توفي بادينتر الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 95 عاماً، تمت الإشادة به باعتباره بطلاً صاحب رؤية، ونموذجاً للتنوير الجمهوري في بلد يعد فيه هذا الوصف أعظم ثناء. ولكن خلال كفاحه الطويل لإنهاء هذا الشكل المميز من الهمجية التي كانت ترعاها الدولة الفرنسية، تعرض للإهانة على نطاق واسع، والتهديدات في كثير من الأحيان، وحراسة مشددة وعلى الأقل مرة واحدة كان هدفاً لمحاولة اغتيال، عندما انفجرت قنبلة على عتبة شقته.

وكانت بعض الدول، ومن بينها بريطانيا، قد أنهت عقوبة الإعدام في وقت سابق بالنسبة لمعظم الجرائم باستثناء جريمة الخيانة - لكن إقدام فرنسا على هذه الخطوة كان بمثابة نقطة تحول. وفي العقود الأربعة التي تلت ذلك، حذت أكثر من 90 دولة، تمثل ما يقرب من نصف إجمالي العالم، حذوها، وفي عشرات الدول الأخرى، لا تزال عقوبة الإعدام موجودة في الكتب ولكنها لم تعد مستخدمة. ومع ذلك، في عدد قليل جداً من تلك الدول كان القرار نتيجة حتمية لقوة الإرادة والإقناع المطلقة لدى فرد واحد. وهذا ما يجعل قصة بادينتر غير عادية. كان «بادينتر» طالبا ممتازاً ومحامياً لامعاً اجتذبت شهرته المهنية المبكرة قائمة مرصعة بالنجوم من العملاء في القضايا المدنية، بما في ذلك «راكيل ويلش» و«بريجيت باردو». ومع ذلك، كانت القضية الجنائية، التي كان فيها بادينتر مدافعاً عن رجل متهم بالاشتراك في جريمة قتل، هي التي غيرت مساره - ومسار فرنسا.

كان موكله هو «روجر بونتيمز»، وهو نزيل في السجن ساعد أحد زملائه المدانين في أخذ حارس وممرضة كرهائن ونحرهما في مستوصف السجن. لم يكن بونتيمز يحمل السكين، لكنه ذهب إلى المقصلة على أي حال، وقد رفضت المحاكم والرئيس جورج بومبيدو مناشداته للرحمة في مواجهة الغضب الشعبي.

كان «بادينتر» شاهداً على قطع رأس بونتيمز عند الفجر، وهو مشهد مروع حوله من محام إلى مناضل. وفي عام 2005، قال لأحد المحاورين: «إن الإيمان الفكري شيء والظلم شيء آخر»، وأضاف لاحقاً: «رأيت رجلاً مقطعاً إلى أشلاء، باسم العدالة. لم أستطع قبول فكرة العدالة هذه. فما حدث هو النقيض للعدالة. ومنذ ذلك الحين أصبحت مناضلاً».

وكان نضاله قائماً على مبادئ، وهو ما أظهره من خلال الاستمرار في الدفاع عن المتهمين الأكثر بشاعة، بما في ذلك المتهم بقتل صبي يبلغ من العمر 7 سنوات. إن نجاح بادينتر في إقناع هيئة المحلفين بإنقاذ حياة موكله جعله واحداً من أكثر الشخصيات العامة المكروهة في فرنسا. وعندما أصبح وزيراً للعدل في حكومة الرئيس فرانسوا ميتران عام 1981، جعل إلغاء عقوبة الإعدام أولويته الأولى. وقال للمشرعين الفرنسيين الذين وافقوا على وصيته: «غداً، بفضلكم، لن تكون هناك عمليات إعدام خلسة عند الفجر، تحت مظلة سوداء تشعرنا جميعاً بالخجل».

وفي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي في باريس، حملَ حرس الشرف نعش «بادينتر» المغطى بالعَلَم إلى ساحة فاندوم، وهي ساحة فخمة تحيط بها وزارة العدل التي كان يقودها ذات يوم. وقد أشاد به الرئيس إيمانويل ماكرون باعتباره رجلاً «سعى إلى جعل العدالة أكثر إنسانية والإنسانية أكثر عدلاً». ومع ذلك فإن المناقشة بشأن عقوبة الإعدام تظل غير مستقرة، وتفضل الزعيمة اليمينية «مارين لوبان»، التي تتصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2027، إجراء استفتاء وطني على إعادة عقوبة الإعدام. إذا حدث ذلك، فسيكون بمثابة اختبار لأي جانب ستسود العدالة: هل للإطار الذي وضعه بادينتر أم للانتقام؟

لي هوكستادر*

*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية مقيم في باريس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»