يعد المجتمع المدني ركيزة أساسية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتعد جمعيات النفع العام الحقوقية شريكة أساسية للآليات والمؤسسات الحكومية الداعمة لحقوق الإنسان. وقد شهدت البنية الأساسية لمنظمات المجتمع المدني في دولة الإمارات في الآونة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في تعزيز حماية حقوق الإنسان، فمع بداية العام 2024 أعلن عن إشهار وترخيص «جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان» كجمعية مقرها العاصمة أبوظبي، تُعنى بتعزيز احترام حقوق الإنسان في الدولة، وتمثل المجتمع المدني الحقوقي، إضافة إلى تفعيل دورها الوطني والإقليمي والدولي، كمؤسسة حقوقية غير حكومية، تسعى إلى تحقيق العديد من الأهداف والغايات التي تستكمل من خلالها إبراز الصورة الحضارية للدولة، وخلق الشراكات الفاعلة مع مختلف الأطراف المعنية بحقوق الإنسان، والتكامل مع كافة الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بحقوق الإنسان.

وقد عقدت جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي جمعيتَها العمومية وانتخبت مجموعةً من الكفاءات والكوادر الوطنية المؤهلة والخبيرة بحقوق الإنسان والقادرة على إدارة ملف حقوق الإنسان بكفاءة واحترافية، وهم يمثلون جيلاً من الشباب الإماراتي الذي نشأ في ظل النهضة الحضارية والإنسانية التي سعت إليها الدولة منذ تأسيسها. وقد سعت هذه الكوادر الشابة لاستكمال تحصيلها العلمي الحقوقي، وللتسلح بالخبرات الدولية التي تمكنها من تعزيز الريادة الحقوقية العالمية للدولة.

ويأتي إشهار الجمعية الحقوقية كخطوة تضاف إلى مسيرة الدولة الحقوقية والتي حرصتْ على تحقيقها منذ التأسيس، سواء على صعيد استكمال المنظومة التشريعية الحقوقية، والتي انطلقت من دستور الدولة وما تضمنه من نصوص تؤكد الالتزام القاطع باحترام وتعزيز حقوق الإنسان، وضمان كفالة الدولة لكافة الحقوق والحريات التي وردت في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وجعلت من الإنسان أولوية رئيسية في سياسات الدولة ومبادراتها، ومحوراً أساسياً لتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة، وبناء منظومة متكاملة من المؤسسات والآليات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، إذ أنشأت في عام 2019 اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان للعناية بكل ما يختص بتعزيز احترام حقوق الإنسان والوفاء بالتزامات الدولة الإقليمي والدولية، إضافةً إلى إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2021 كمؤسسة وطنية مستقلة تعمل وفق مبادئ باريس وتشكيل مجلس أمنائها، والعديد من الاستراتيجيات الوطنية المرتبطة بتعزيز الحقوق والحريات في الكثير من المجالات الأساسية المعنية بحقوق الإنسان.

كما ساهم إطلاق المبادرات الاستشرافية التي تعزز مسيرة الدولة الحقوقية، في خلق بيئة وبنية أساسية للعمل الإنساني والحقوقي داخل الدولة وخارجها، كما انطلقت في فضاءات أكثر بعداً كالاهتمام بالحقوق البيئة وتحقيق العدالة المناخية، والتي تمثلت في تنظيم الدولة للدورة الثامنة والعشرين لقمة المناخ، وإعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تمديد عام الاستدامة للعام 2024، إضافة إلى جعل الإمارات مركزاً رئيسياً لخلق وتطور التقنيات الرقمية على المستوى الدولي، والعمل على تحقيق العدالة الرقمية المشمولة بكفالة للحقوق الرقمية وحماية الحريات الأساسية في ظل العالم الرقمي.

وقد حظيت المسيرة الحقوقية الإماراتية بالتقدير العالمي منذ تقديم استعراضها الدوري الشامل الأول بمجلس حقوق الإنسان، حيث تم انتخابها لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمرة لثالثة، في سابقة تؤكد تقدير المجتمع الدولي لجهود ومنجزات الدولة المعنية بحقوق الإنسان. كما نجحت الدولة في اعتماد تقرير مخرجات الاستعراض الدوري الشامل الرابع في الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في عام 2023، إضافةً إلى تقديم تقاريرها المعنية بالآليات التعاقدية ومناقشتها أمام اللجان الدولية المختصة، وإحراز المزيد من التقدم في العديد من المؤشرات الدولية المتعلقة باحترام كافة الحقوق والحريات الأساسية.

*كاتبة إماراتية