هطول الأمطار الغزيرة من الظواهر الطبيعية الاعتيادية التي تحدث في مختلف أنحاء العالم، وتشكل في بعض المواسم تحدياً لأي دولة مهما كانت متقدمة، لا سيما عندما يكون هطول الأمطار بمنسوب مياه مرتفع، ويتطلب التعامل معه استخدام إمكانات إضافية، إلى جانب قنوات التصريف التي لا تكون مخصصة في الغالب لتصريف كميات كثيرة من المياه في وقت قصير. والإمارات من أكثر الدول التي تشهد تطوراً متسارعاً في مختلف المجالات، وتُعتبر بنيتها التحتية الحديثة أحد أهم عوامل التميز والجذب لمن يفضلون الاستثمار أو الإقامة.

وتزامناً مع المنخفض الجوي، وهطول الأمطار الغزيرة على مدن الدولة الأسبوع الماضي، سارع بعض مستخدمي أدوات التواصل الاجتماعي إلى التفاعل مع أجواء الأمطار، ومنهم من احتفل بالموسم، ونقل مشاهد لتساقط البرَد مصحوبةً بتعليقات اعتيادية تكشف عن الابتهاج في بيئة الإمارات، لكن بالمقابل هناك من بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مَن يفتش على الدوام عن أي مشهد يستغله للتطاول، ولا يجد سوى بعض مشاهد مياه الأمطار، رغم أنها ظاهرة طبيعية، فيعتبرها فرصة لتمرير تعليقات تصطاد حرفياً في المياه العكرة.

ويهدف أصحاب مثل هذا المحتوى إلى البحث عن مشاهدات للمقاطع التي ينشرونها، وبعضها مقاطع قديمة من مواسم أمطار سابقة، لكنهم يستغلونها لمعرفتهم أن أي مشاهد مصورة تتعلق بالإمارات سوف تحقق نسبة مشاهدات عالية، حيث يراهنون على شهرة أبوظبي ودبي ومدن الإمارات في أذهان الجمهور. وعندما يربطون بين حداثة المعمار وشبكة الطرق في الإمارات، وبين الأمطار يعتقدون أنهم يحققون سبقاً، بينما يعرف كلُّ مَن يعيش في الدولة مدى سرعة التفاعل من قبل مختلف الجهات الحكومية ومكاتب البلديات وهيئات الطرق مع مثل هذه الحالات، حيث نشهد في كل موسم أمطار سرعة التحرك والدفع بأفضل الإمكانيات لسحب مياه الأمطار وتصريفها.

وإلى جانب أن التعامل مع مثل هذه الظواهر الطبيعية يتم بكفاءة عالية، تتمتع الإمارات بشبكة طرق متطورة وأنظمة تصريف مياه فعالة، وطرق ذكية تُساعد على تحويل مسار المياه ومنع تراكمها، كما أن الاستجابة السريعة من جانب الجهات المعنية تعمل على تصريف المياه في وقت قياسي، وتقديم المساعدة لأي متضرر من خلال توفير أماكن إيواء آمنة، مع التزام شركات التأمين بتعويض أصحاب المركبات التي تضررت، سواء بفعل تساقط البرد، أو نتيجة وقوفها في بعض أماكن تجمعات المياه.

ولا ننسى أن الإمارات تستفيد من مياه الأمطار، وتعمل على مرورها بمراحل معالجة وتخزين للاستفادة منها في ريّ المزروعات لتعزيز الأمن المائي، في إطار استراتيجية شاملة لترشيد استهلاك المياه، واستغلال مصادرها لتعويض النقص في الموارد المائية. أما بحث بعضهم عن مشاهد يحاول من خلالها بث مشاعر التشفي والشماتة غير المبررة، فهذا سلوك يدل على افتقاد مَن يمارسونه إلى أخلاقيات التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، كما يتضمن الإصرارَ المتعمد من قبل فئة قليلة تدمن -وبدوافع مشبوهة- التقليلَ من حجم الإنجازات التي حققتها الإمارات لمجتمعها، في محاولة لحجب صورتها المشرقة على مختلف المستويات.

وهؤلاء يعلمون أن الإمارات من أكثر الدول تضامناً وتقديماً للمساعدات إلى الدول التي تطالها أي تداعيات إنسانية جراء الظواهر الطبيعية، وستظل تمد يد العون للآخرين، وتمضي في مسيرة نهوضها وتطورها، وتتمسك بنهجها ورؤيتها للتضامن الذي يمليه الواجب الإنساني، دون أن تهتم بمن يصطادون في الوحل، ويعميهم حقدهم، ويقودهم إلى استغلال الظواهر الطبيعية لتلفيق مشاهد سرعان ما تزول، كما يزول الظلام بشروق شمس يوم جديد.

*كاتب إماراتي