تكرر استهداف السفن والناقلات في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات المسيرة والقوارب المفخخة من قبل جماعة الحوثيين، الذين يزعمون أن ما يقومون به من تصعيد وتهديد خطير لأمن الملاحة إنما يأتي تضامناً مع قطاع غزة، لكن التحليل الواقعي يكشف الوجهَ الآخر لما يحدث.

نعلم أن الجماعات الدينية المسلحة لا تنتعش إلا في ظل الفوضى والحروب، وقد جاءت الظروف الإقليمية والاضطرابات في الشرق الأوسط بفعل الحرب على غزة هديةً على طبق من ذهب للحوثيين الذين يتحركون بأوامر إقليمية مثل نظرائهم في كل من لبنان والعراق، لكنهم أصبحوا باستهدافهم المتكرر لأمن الملاحة في البحر الأحمر من أبرز المستثمرين والمتاجرين بمأساة غزة. ووسط الحملات الدعائية ينسى البعض أن الحوثيين جزء من استراتيجية أوسع لإيران، وأنهم يستثمرون في الحروب كوسيلة للحفاظ على نفوذهم، وهذا الاستثمار لا يقتصر فقط على الجانب المادي والعسكري، بل يشمل أيضاً الجانب الإعلامي والدعائي، وأبرز مثال استغلالهم الحرب على غزة لتعزيز صورتهم كمدافعين عن القضايا العربية.

قبل أحداث غزة كان الملف اليمني في الطريق إلى الحل، حيث زاد الحديث عن خريطة طريق جديدة لسلام يضع حداً لسيطرة الحوثيين على صنعاء، وكان التوقيع على الاتفاق وشيكاً، وفجأة عندما اندلعت أحداث غزة وصلت التعليمات للحوثيين بالشروع في استثمار الحدث والهروب من استحقاقات السلام وقلب الطاولة باستهداف أمن البحر الأحمر.

لا يهم الحوثيون أن يتعرضوا لعمليات عسكرية، فهم ليسوا دولة ولا يمثلون حكومة نظامية، بل يجدون في العمليات ضدهم فرصةً لزيادة أتباعهم ومواصلة ادعاء المظلومية، لذا يريدون أن يظلوا في حالة حرب إلى ما لا نهاية، لأن الحروب تنقذهم من الاضطرار إلى التعامل مع الحوار والسلام، كما يخشون حل الصراع في اليمن وعودة الدولة والحكومة الشرعية إلى صنعاء، ويعملون بكل جهد على تأجيل انتهاء مبررات حملهم للسلاح، فيستثمرون في حرب غزة بعقل المتاجرة، وهناك من يطبل لهم ويتوهم أنهم جادون في التضحية من أجل فلسطين، بينما لا هم ولا الفصائل التابعة إقليمياً، معنيون بقضية فلسطين في الواقع، بقدر ما يستثمرونها كما استثمرت كل الجماعات الدينية من قبل قضايا بدأت بأفغانستان وبورما والشيشان وغيرها من مناطق الصراع التي دأبوا على توظيفها لجلب الأتباع.

ومع مرور السنوات تفشل الجماعات المتطرفة التي تحمل السلاح في الانتقال إلى لغة السياسة والحوار والسلام، بل يزداد تهورها وتستغل الأحداث الإقليمية لإشعال المزيد من الفوضى في المنطقة، ونتيجة ما تقوم به جماعة الحوثيين بدوافع أنانية، نجد أن السلام في اليمن يتأجل مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي لليمنيين، واستمرار زعزعة استقرار المنطقة والشرعنة لخطر القرصنة في البحر الأحمر، والتأثير على حركة التجارة العالمية.. وبالتالي تحويل اليمن إلى ورقة للصراع بين الولايات المتحدة وإيران. ولا يستفيد عامة اليمنيين شيئاً من هذا الاستثمار الجشع من قبل الحوثيين لحرب غزة، بل تتسع المسافة بينهم وبين الأمل في تحقيق الاستقرار والسلام في بلدهم.

ويبقى استهداف أمن الملاحة في البحر الأحمر عملاً لا خيار للحوثيين بشأنه، لأنه خارج عن إرادتهم، كما لا يستطيعون التحكم بنتائجه، لأن ما يجري يُعتبر مظهراً من مظاهر الصراع الإقليمي الأوسع الذي يتم تحريكه من وراء الستار، من خلال انتهاز كل فرصة للعبث بالشرق الأوسط عندما تكون الاضطرابات في المنطقة مناسبة للتدخل. وما يجري في غزة كان مدخلهم لزيادة الاضطراب في المنطقة، وتوسيع نطاق الفوضى، وقد وجدوا في الحوثيين الأداة الجاهزة للمغامرة بتنفيذ أجندتهم الإقليمية.

*كاتب إماراتي