جرى بيني وأحد المسؤولين في الإعلام حديثاً ودياً عن مآثر الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، عندما تولى رئاسة الحكومة في الدولة، حيث قال: لم يتأخر يوماً عن الوقت المحدد لاجتماع مجلس الوزراء، وكنا من أكثر الصحف انتقاداً لبعض الوزارات طوال فترة رئاسته الحكومة، وعندما انتهى من هذه المسؤولية، وجدت في أحد الأيام على مكتبي ظرفاً ضخماً كُتب عليه: «مكتوم بن راشد آل مكتوم»، هكذا من غير لقب ولا مسمى رسمي، فأوجست في نفسي خيفة.. ولما تجرأت على فتحه، فإذا هو عبارة عن كل المقالات الصحفية التي كانت تنتقد أداء حكومته، دون أن يعلق عليها بكلمة، في إشارة لطيفة منه بأنه كان على اطلاع دقيق على كل ما كتب عن حكومته، ومع ذلك ترك الإعلام يؤدي دوره، مع استمراره كذلك في أداء واجبات الحكومة بكل إخلاص وتفانٍ.
كان سموه يدرك حقيقة النقد البنّاء، وأنه عامل مساعد لتحسين الأداء، وتدارك السلبيات، وزيادة نسبة الجانب الإيجابي في المجتمع.
هذا على المستوى الاتحادي، أما على المستوى المحلي، فقد كان حريصاً ألا يتضرر قطاع المال والأعمال في الإمارات، بسبب بعض الإجراءات الفنية أو التقنية التي تتخذها للمصلحة العامة.
ما يسعف الذاكرة، عندما كان سموه حاكماً لإمارة دبي، اتخذت البلدية إجراءات صارمة لتحديد أوزان الشاحنات التي تعبر من شوارع دبي إلى أبوظبي، حفاظاً على سلامة الطرق في الإمارة من تقصير عمرها الافتراضي.
لقد قامت البلدية بتنفيذ إجراءاتها في ذلك الوقت، بتركيب ميزان خاص تعبر من خلالها الشاحنات، ويعرف المخالف من غيره.
وبعد مرور فترة قصيرة على تطبيق هذا الإجراء الحديث في الإمارة، بلغت شكاوى التجار ورجال المال والأعمال المتضررين من ذلك في كلتا الإمارتيْن.
زار الشيخ مكتوم بنفسه منطقة تركيب الميزان، ليشاهد طوابير الشاحنات تقف بانتظار تقرير الوزن المسموح من المخالف، فلم يطق سموه صبراً على هذا المشهد المشوّه للجانب الحضاري في الإمارة، فأصدر أوامره السيادية مباشرة، واستبدال ذلك الوضع بتقوية البنية الأساسية لطرقات الإمارة في كل مفاصلها ونواحيها، ومدنها وقراها، وأحيائها السكنية كذلك، وبهذا الأسلوب الراقي أوصل حال الطرق في الإمارة، وفقاً لأفضل المواصفات والممارسات العالمية، إن لم تكن من أكثرها تفوقاً.
و في إطار النسيج الاجتماعي لدبي، نما إلى علم سموه، بأن مسؤولاً في إحدى مؤسسات الإمارة يرفع راية العنصرية بين مكونات المجتمع المحلي، وذلك مما يزعزع سبل التعايش بين مكونات الجنسيات المتعددة، التي أصبحت جزءاً رئيساً من سكان الإمارة منذ نشأتها لأكثر من قرن.
آنذاك طلب الشيخ مكتوم أن تصله المعلومة الدقيقة عن تلك «الفتنة النائمة»، وتم إطلاعه على اسم المسؤول المعني، وفي زيارة مفاجئة لسموه إلى مكتب ذلك المسؤول الذي بهت لرؤية حاكم دبي أمامه، فقال له: إياك وهذه الدعوة.
الشيخ مكتوم ما أروع حكمتك، إذا غضبت للحق!، فما أجمل فعلك!.. إنه المسؤول الذي حُق له وضع سياسة التعايش بين سكان الإمارة من كل الأجناس، إنه غرس الشيخ راشد، والشيخ سعيد اللذين أسسا بنيان التعايش في دبي منذ أكثر من مائة عام.

*كاتب إماراتي