لأول مرة تَمثُل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، بعد أن رفضت في عام 2004 حضور جلسات استماع ناقشت خلالها المحكمة الرأي الاستشاري الذي طلبته منها الأمم المتحدة بشأن شرعية الجدار العازل الذي كانت تبنيه إسرائيل. وبدأت المحكمة يومي 11 و12 يناير الجاري النظرَ في الدعوة التي أقامتها دولة جنوب أفريقيا واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم «إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي أولى جلساتها الخميس الماضي استمعت المحكمة لمرافعة الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، والتي ركزت على أن «أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الفلسطينية الأوسع».

وأشارت الدعوى إلى أن سلوك إسرائيل، «من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناءً على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها»، يشكل انتهاكاً لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.. مؤكدةً أن إسرائيل انتهكت اتفاقيةَ الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية التي وقعها أعضاء الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمنع الجرائم ضد الإنسانية. وقدمت جنوب أفريقيا أوراق دعوى مكونة من 84 صفحة، وطالبت المحكمة بإصدار قرار يُجبر إسرائيل على وقف الأعمال القتالية بشكل فوري لحين صدور قرار نهائي من المحكمة.ومن جانبها، رفضت إسرائيل بشدة اتهامات جنوب أفريقيا لها بـ«نية الإبادة الجماعية» ضد الفلسطينيين، وأصرت خلال المرافعة التي قدمتها أمام المحكمة يوم الجمعة الماضي على أنها منخرطة في «حرب لم تبدأها ولم تكن تريدها» في غزة.

وأصر الفريق القانوني الإسرائيلي على أن الهدفين الرئيسيين للحرب هما القضاء على التهديد الوجودي الذي يشكله مقاتلو «حماس»، وإطلاق سراح حوالي 136 رهينةً ما زالوا محتجزين في القطاع. وقالت إسرائيل في مرافعتها إنها «تخوض حرب دفاع ضد حماس، وليس ضد الشعب الفلسطيني». كما رفضت التماس جنوب أفريقيا المقدم إلى المحكمة بموجب أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية لإصدار«تدابير مؤقتة» تدعو إسرائيل لتعليق حملتها العسكرية في غزة على الفور. واستند الدفاع الإسرائيلي بشكل أساسي إلى «الحق المشروع والأصيل للدول في الدفاع عن نفسها».

وتعتبر أحكام محكمة العدل الدولية نهائية، وليست هناك إمكانية للاستئناف، لكن الأمر منوط بالدول المعنية بتطبيق قرارات المحكمة في ولاياتها القضائية الوطنية. وفي معظم الحالات، تحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي وتمتثل لها. وإذا فشلت دولة ما في أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما، فإن الحل الوحيد المتبقي هو اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يمكنه التصويت على قرار، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وفي قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل قد يستغرق قرار الحكم بشأن الإبادة الجماعية سنوات، أما الأمر القضائي بشأن حرب غزة الذي طلبته جنوب أفريقيا فقد يصدر خلال أسابيع. لذا، وبغض النظر عن التزام إسرائيل بما ستقرره المحكمة أو تحديها له، فإن تداعيات حكم محكمة العدل الدولية يمكن أن تمتد إلى خارج إسرائيل، وستؤدي إلى إحراج أقرب حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، إذ سيتهمها البعض بالتواطؤ في انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية.

*كاتبة إماراتية