في يوم 4 يناير 2006، رحل عنا الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، رحمة واسعة، صاحب الابتسامة المشرقة والوجه الصبوح.
ولكن أثره لم يرحل عنا، بقيت رواية عابرة للأجيال تروى في المجالس حتى اللحظة، وهي جزء من ملحمة الوطن الذي زاده عزة ومنعة.
شرف لي أتمنى استحقاقه ، بسرد شيء يسير من مآثره، بعد مرور 18 عاماً على وفاته، وهذا جزء من إحياء ذكراه في قلوب الأوفياء.
في فترة مبكرة من عمري الدراسي، وفي العام 1972، حينما كنت طالباً في المرحلة الثانوية من السلم التعليمي، كنت ضمن الطلبة الذين تلقوا تدريباً صيفياً في السلك الشرطي، وفي أثناء عملي في إجازة الصيف بمركز الشرطة في الرفاعة، حدثني أحد الضباط عن واقعة حدثت لأحد أفراد الشرطة، وهو يؤدي واجباته الوظيفية على الدراجة النارية، وكان سرد تلك القصة ذلك من باب تربيتنا على الالتزام بالقانون، وبالذات في الجانب الأمني والمروري منه.
في أحد الأيام قام هذا الشرطي بملاحقة إحدى السيارات المسرعة حتى أوقفها على جانب الطريق. وقف شرطي المرور بجانب قائد المركبة طالباً منه رخصة السواقة، فلم يبرزها، فقال له: سأحرر لك مخالفتين، واحدة للسرعة الزائدة، والثانية لعدم حملك رخصة القيادة، ولم يعلم الشرطي بأن الشيخ مكتوم هو قائد هذه المركبة، ولم يفصح الشيخ عن نفسه، وتسلم منه المخالفتين بكل أريحية..
ولكن قبل أن يصل الشرطي إلى مقر عمله بمركز الرفاعة، قام الشيخ مكتوم بالتواصل مع المعنيين هناك، وأمرهم بأن يكرم ويرقى لحسن أدائه الوظيفي وأمانته في الحفاظ على القانون مع أي كان المخالف.
ولما عاد إلى مقر عمله بالمركز، جمع المخالفات كلها كما هو المعتاد، وسلمها للضابط المناوب، وعندما مرت عينه على مخالفة الشيخ مكتوم، أوقف الشرطي برهة مستفسراً عنها، فسأله هل تعرف صاحب هذه المخالفة، قال: لا.
قام الضابط بتضخيم المشكلة، قائلاً: هذا الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، كيف تجرأت على مخالفته؟
فلم يعرف الشرطي «أرضه من سماه». قائلاً: ما الحل؟ الحل عند مدير المركز، فدخلا عليه والمدير في هستيريا من الضحك أمام هذا الشرطي. فقال: سيدي أنا غرقان في عرقي، وأنت تضحك، كيف هذا؟!
فقال المدير للشرطي : الشيخ مكتوم يبلغك سلاماً خاصاً، ويمنحك هذه الإكرامية، ويهديك هذه الترقية الاستثنائية لأداء وظيفتك على أفضل وجه. وأضاف المدير مبشراً الشرطي برفع درجته مثل ما أمر الشيخ مكتوم بنفسه، وهذه شهادة تكريم لك من القيادة العامة لشرطة دبي.
لم يطرأ على بال الشرطي، أنه سيأتي عليه يوم يخالف ولي عهد دبي بنفسه، ثم لا يعاقب، بل يَرفع من قدره ومكانته ويشجعه على عدم التهاون في تطبيق القانون على الجميع، ولكن بلا تعسف، بل بروح منفتحة، حتى يسود الأمن والأمان ربوع دار الحي.

*كاتب إماراتي