اختتمت دولة الإمارات العربية المتحدة فترة عضويتها في مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم للعامين 2022 و2020 اللذين شهد العالم خلالهما أزماتٍ وحروباً مثلت تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، لعل أبرزها الحرب في أوكرانيا والحرب في قطاع غزة. وخلال هذين العامين سعت الدبلوماسية الإماراتية، بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، من خلال العمل البناء والدبلوماسية النشيطة مع قوى دولية متنوعة، متضادة ومتنافسة أحياناً وتتباين أجنداتها ومصالحها ومواقفها، لأن تكون صوتاً للسلام يعكس قيم التسامح والتعايش، كما كانت صوتاً عربياً يضع القضية الفلسطينية والقضايا العربية على أجندة مجلس الأمن. وبالقدر نفسه فقد عكست مساهمات دولة الإمارات اهتماماً جلياً بقضايا المناخ والسلام الدوليين وكذلك قضايا المرأة. وكعضو غير دائم كانت القوة الناعمة الإماراتية حاضرة في تنسيق الجهود والمشاورات وصولاً للحلول الوسط في ظل الاستقطابات الحادة التي شهدها المجلس خاصة في تعاطيه مع الحرب في أوكرانيا وكذلك الحرب في غزة.
عززت الدبلوماسية الإماراتية من أهمية التوافق وبناء الجسور، وخلال فترة العامين المذكورة أعلاه ترأست مجلس الأمن لمرتين، الأولى في مارس 2022 والثانية في يونيو 2023. وخلال الرئاسة الأولى اعتمد المجلس 4 قرارات وأصدر 6 بيانات، وخلال الرئاسة الثانية اعتمد 7 قرارات وأصدر 5 بيانات وورقتي معلومات للصحافة. وقد نجحت الإمارات خلال فترة عضويتها في المجلس في الدفع نحو إصدار قرارات تاريخية، حيث شاركت إلى جانب المملكة المتحدة في صياغة القرار التاريخي الذي اعتمده المجلس بالإجماع في 14 يونيو 2023، والذي أقر للمرة الأولى بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتطرف قد يؤدي لاندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها. وجاء هذا القرار التاريخي بعد عقد جلسة خاصة لمجلس الأمن تحت عنوان «قيم الأخوة الإنسانية في تعزيز وإدامة السلام»، بحضور أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وبول ريتشارد رئيس الأساقفة وأمين العلاقات مع الدول في الكرسي الرسولي.
وكان صدور القرار رقم 2720 في ديسمبر 2023 من أبرز نجاحات الدبلوماسية الإماراتية، إذ نص القرار على توسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فمنذ انطلاق الحرب هناك يوم السابع من أكتوبر عقد مجلس الأمن 13 جلسةً حول القضية الفلسطينية والوضع في غزة، كانت 8 منها بطلب مباشر من دولة الإمارات. وخلال هذه الجلسات أعلنت الإمارات دعمها لجهود السلام ووقف الحرب والحفاظ على حياة المدنيين، وقدّمت مشروعي قرار لوقف الحرب في القطاع، وكثفت من جهودها للدفع بقرار دولي يدعو لوقف إطلاق النار، ولزيادة تدفق المساعدات إلى الفلسطينيين. ومن الجهود الدبلوماسية التي ساهمت في تقريب وجهات النظر الزيارة التي نظمتها الإمارات لأعضاء مجلس الأمن الدولي في الحادي عشر من ديسمبر الماضي إلى معبر رفح، حيث اطلع أعضاء المجلس بشكل مباشر على الحاجة الماسة لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية. وتكرست جهود بعثة الإمارات في الأمم المتحدة لوضع حد للأزمة الإنسانية في القطاع نتيجة للحرب، وكان من نتائجها اعتماد مجلس الأمن القرارَ 2720، وهو قرار طالب باتخاذ خطوات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة، كما طالب بحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني على الأرض.
‎لقد نجحت دولة الإمارات من خلال عضويتها في مجلس الأمن، بفضل دبلوماسيتها المرنة وعلاقاتها الدولية الواسعة، في أن تكون عضواً فاعلا ومؤثراً وشريكاً نشطاً في صياغة قرارات أممية تاريخية في بيئة دولية تتسم بالاستقطاب.

* كاتبة إماراتية