نيويورك ستكون آخر محطات قمم الربع الثالث من هذا العام بانطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، والتي ستسبقها قمة G20 في نيودلهي عاصمة بهارات (الهند سابقاً بحسب دعوات العشاء الرسمي الموجهة لقادة دول العشرين من رئيس الوزراء مودي).

أما أهم محطات قمم الجنوب، فقد كانت جوهانسبرغ التي احتضنت قمة البريكس في 22 من أغسطس المنصرم، حيث كان صراع أقطابها على القيادة وما واكبها من أحداث أفريقية هو العنوان الرئيس حتى وإنْ غاب عن عناوين القمة. إلا أن غياب الرئيس الصيني عن قمة G20 قد يحمل أكثر من رسالة، وأولها للدولة المُضيفة وأخرى للشركاء الأوروبيين وواشنطن.

الرئيس الصيني قد سبق وأنْ غاب عن حضور جزء من الجلسة المخصصة لكلمة الرئيس بوتين في قمة البريكس، ويبدو أن بكين باتت تحبذ النأي بالنفس في ما يتصل بالأزمة الأوكرانية، أو ما قد يجد من مناسبات قد توظف في خدمة موقف سياسي أحادي النظرة. وكذلك هو حال الموقف من توسع رقعة نفوذها أفريقياً على حساب أكثر من طرف وليس أوروبا حصراً.

فالهند تنظر لأفريقيا من جوانب عدة، وأولها، ما تمثله جغرافيا المحيط الهندي من منظور نيودلهي استراتيجياً، وكذلك أحقية وصايتها التاريخية في عموم المستعمرات البريطانية السابقة وخصوصاً شرق وجنوب أفريقيا (البوابة الشرقية لأسواق آسيا).

أما واشنطن فهي مثقلة بملفات عدة ليس آخرها ملف الأزمة الأوكرانية أو المشهد الأميركي سياسياً واجتماعياً (وهي على أعتاب انتخابات رئاسية هي الأكثر إيهاماً في تاريخها السياسي)، ناهيك عن قلقها مما قد تمثله مجموعة دول «بريكس» في حال تخطيها تحدياتها التخليقية من تحدٍّ للدولار الأميركي تحديداً. فهل يمثل تسرب الصين إلى الشرقين الأدنى والأوسط حالة قد تجاوزت قابلية الاحتواء؟ وهل نيودلهي الصاعدة جيواقتصاديا طامحة لدور أمني متناسب وطموحها السياسي في فضاء يتعدى تفاهمات (i2u2) ويتصل بتحالف أوكوس AUKUS لاحقاً.

أما في ما يتعلق بأفريقيا، فإن حلفاء واشنطن مجتمعين (الهند وأوروبا) لا يملكون الإرادة السياسية (الأدوات الصلبة) أو الاقتصادية أو القدرة على طرح بدائل للخيارات الصينية (سياسياً واقتصادياً)، وذلك أولاً. أما ثانياً، فهو استمرار تراجع الثقل الأميركي نتيجة فشل واشنطن في تطوير مفهوم ثابت لحالة صراعها مع الصين (استراتيجية احتواء فاعل، لذلك نجدنا أمام قمة كامب ديفيد الثلاثية في 18 من أغسطس المنصرم/ والتي جمعت الولايات المتحدة، واليابان وكوريا الجنوبية).

فقد حاولت واشنطن طمأنة حليفتيها بما في ذلك تقديم ضمانات ردع نووي لثنيهما عن البحث في أمر ضمانات ردعها النووي الخاصة (ضمانات أمنها الاستراتيجي والإقليمي) في مواجهة حالة من عدم الاستقرار نتيجة تهديدات بيونغ ينغ وطموحات التوسع الإقليمي من ضامنيها الكبار.

مجموعة العشرين لن تتمكن وكذلك البريكس من تحقيق العدالة الاقتصادية غير المتكافئة بين الشمال والجنوب لانتفاء قابلية تحقق التضامن الدولي المطلوب لإعادة الاستقرار الدولي أولاً، وكذلك التوافق حول ضماناته المطلوبة. لذلك سيتعين على القوى الإقليمية الصاعدة إعادة التفكير في مفهوم أمنها الإقليمي وضمانات استقرارها، واستدامة نموها اقتصادياً واجتماعياً. أما في ما يخص اجتماع الجمعية العامة للأم المتحدة، فإنه وللمرة الـ78 سيكون مرآة لاستفحال حالة الاستقطاب ومحدودية تخليق الإرادة الدولية.

*كاتب بحريني