بات أمر التعاطي وشأن العلاقات الإقليمية الأميركية أكثر تعقيداً من المناظير كافة، ونجدنا أمام ارتحالات واشنطن السياسية بين الملفات الكبرى مربكاً منذ حملة انتخاب الرئيس بايدن ووصولاً لقمة كامب ديفيد الثلاثية (الولايات المتحدة/ اليابان/ كوريا الجنوبية). فالمشهد مُحير حقاً، فما هي أولويات السياسة الخارجية الأميركية تحديداً، فقد سبق قمة كامب ديفيد إعلان الإدارة رسمياً تعثر مساعي ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، وقبله انطفاء آخر جذوة للملف النووي الإيراني بتقديم مسؤول الملف قرباناً (روبرت مالي)، ومعطوفاً على كل ما تقدم تعقيدات الأزمة الأوكرانية عسكرياً، وعودة التهديد بأزمة إمدادات الحبوب الأوكرانية.

عملية تطوير ما بات «يُتعارف» عليه تطبيعاً مع إسرائيل هو شأن إقليمي رغم أبعاده الجيواستراتيجية، ويُعد سوء تقدير استراتيجي من قبل كل من تل أبيب أو واشنطن افتراض كليهما قبول الرياض الاعتراف بإسرائيل ضمن إطار المواثيق الإبراهيمية، وذلك أولاً. أما ثانياً، فكيف يمكن افتراض قبول الرياض الدخول على خط انتخابات رئاسية أميركية وأزمة إسرائيلية داخلية غير مسبوقة على الصعيدين السياسي والاجتماعي دون احتساب تكاليف ذلك سياسياً على الرياض ومركزية ثقلها الإقليمي.

هل نسيء نحن قراءة الموقف الأميركي أو أن واشنطن تعاني انقسامات حادة داخل إدارة الرئيس بايدن، والتي قد تمتد للموقف من ملف التطبيع السعودي- الإسرائيلي؛ ولذلك تواصل واشنطن انتداب مستشار الرئيس للأمن القومي بديلاً لوزير خارجيتها بلينكن في هذا الملف شديد الحساسية، أو قد يقرأ المشهد من منطلق آخر وهو فشله والتيار المحازب له داخل الإدارة في إدارة الملف النووي الإيراني. إلا أن بعض المراقبين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عند الإشارة لملف التطبيع، فواشنطن أصبحت أكثر حذراً في دعمها نتيجة لضغوط دولية وتحديات خاصة ومتزايدة في الشرق الأوسط.

ختاماً، هل ستتمكن قمة كامب ديفيد من إنقاذ السياسة الخارجية الأميركية، وما النقاط غير المعلنة لهذه القمة إن أخذ في الاعتبار ما يساور الحليفين (طوكيو وسيول) من مخاوف أمنية من المنظور الإقليمي (جنوب شرق آسيا وبحر الصين) وقابلية واشنطن تقديم ضمانات حقيقية مع تعاظم تعقيدات الأزمة الأوكرانية، وتراجع ثقل دبلوماسيتها في الشرق الأوسط وعموم أفريقيا، وفشلها في تطوير تحالفات استراتيجية خارج منظومة «الناتو» بأثقال محسوسة وملموسة من قبل خصومها (الصين وروسيا)؟ واشنطن مطالبة أولاً بإعادة تقييم رؤية أميركية مستقبلية لدور ومسؤولياتها الأمنية دولياً، ومحدودية دورها الأمني مع تراجع تأثيرها السياسي اقتصادياً خلال ربع القرن القادم.

وكذلك ضرورات تطوير قواسم استراتيجية حقيقية مع حلفائها تكون قائمة على انتفاء ضمانات الأمن النووي، فواشنطن لم تُعد قادرة على الوفاء بتوظيف قوة ردعها النووي إنْ لم تتعرض أراضيها لاعتداء مماثل (حالة الدفاع عن النفس). أما ثانياً، فهي قادرة على تعويض احتياجات أسواقها من الطاقة والمواد الخام من جغرافيا لصيقة (كندا وأميركا الجنوبية)، وتعد الحديقة الخلفية للولايات المتحدة إنْ أحسنت هي التصالح مع تاريخها الخاص بأميركا اللاتينية.

*كاتب بحريني