مسار العلاقات الأميركية الشرق أوسطية الجديد، كان عنوان كلمة مستشار الأمن القومي الأميركي «جيك سوليفان» خلال افتتاح منتدى سوورف أو (صورف) والذي ينظمه «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، والكلمة سبقت زيارته للرياض في السادس من مايو الجاري. سوليفان مهد للزيار بالتأسيس لمفهوم العمل المشترك ووجوب قبول تمايز الشركاء في بعض التفاصيل حتى ما ضاقت هوامشها من المنظور الثقافي. إلا أن الإشكالية الأميركية تكمن في محركات ذلك التفكير وأخطرها مهادنته النظرة التقليدية لدول وشعوب هذه المنطقة، حتى بعد توقيع بعضها على المواثيق الإبراهيمية.
المستشار سوليفان حدد مرتكزات خمسة تقوم عليها المقاربة الجديدة باتجاه الشرق الأوسط، وهي: الشراكات، والردع، والدبلوماسية، وخفض مستوى التوترات، التكامل، ومنظومة المبادئ والقيم. إلا أنه اجتهد بشكل ملحوظ في شرح المرتكز الأخير بتقديم مكانة التحولات بدل ما يعتبر إملاءات. إما فيما يخص المرتكزات الأخرى، فهي تقليدية بما فيها دور الولايات المتحدة الأمني شرق أوسطياً، إلا أنه أشار إلى ما يشبه التعهد، عندما قال: «نحن لن ننظر إلى المنطقة من منظور 2003، بل من واقع 2023»، وتلك نقطة تحول كبرى طال انتظارها، وسبق لمثلها بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للأمن القومي الأميركي أثناء مشاركته في الجلسة الختامية لمؤتمر حوار المنامة عام 2021. وقد يؤكد ذلك غياب بعض «التوصيفات التقليدية» عند تناول اليمن بأنها أكبر كارثة إنسانية، وكذلك غياب الإشارة إلى سوريا واحتمال عودتها إلى حضن الجامعة العربية.
يبقى أمران، أولها: لماذا استغرق الأمر من إدارة الرئيس بايدن كل هذا الوقت لتعرب عن هذا التوجه والسعودية تحديداً والآن، خصوصاً أن هذه الإدارة ستدخل مرحلة البطة العرجاء مع نهاية هذا العام. وكذلك ما يرشح من تلميحات بقرب حدوث تغيرات كبرى قد تشمل نائب الرئيس تحضيراً للانتخابات الرئاسية في 2024، أم أن ذلك التحول باتجاه المنطقة هو أعمق من شكلياته الدبلوماسية ويتصل «بالمؤسسة البيروقراطية العميقة»، داخل وزارة الخارجية، والتي تعد أكبر المؤثرين على تنفيذ السياسات الخارجية الأميركية، والتي لطالما كان لها رؤيتها المستقلة لهذه المنطقة.
اللقاءات لن تقتصر على الجانبين السعودي والأميركي، بل ستشارك الإمارات والهند. وقد يستخلص من ذلك مراجعة لإطار التعاون المشترك بين الولايات المتحدة، الإمارات العربية المتحدة، الهند وإسرائيل والذي عُرف i2u2 ووقع في يوليو 2022. فهل سيكون الهدف غير المعلن هو تكامل المناظير الاستراتيجية والبحث في أطر تسريعها، أم أنها ستؤسس لمرحلة جديدة في العمل الإقليمي المشترك. 
يبقى أمر الفيل في الغرفة، وهو الاتفاق السعودي الإيراني بضمانة صينية، فهل ستستطيع الولايات كما تفضل السيد سوليفان عند تعريفه بالمرتكزات الخمسة وأحدها الدبلوماسية، فهل ستتقبل إدارة بايدن الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية قد حققت سبقاً يمكن البناء عليه، ودون إضرار بالمصالح الأميركية وهي ليست على حساب مصالح دول المنطقة، كما سبق وأسلف السيد سوليفان «نحن لسنا في 2003»، والكرة الآن في ملعب واشنطن.
*كاتب بحريني