إنها قصة مألوفة: قطاع أميركي كان مهيمناً ذات يوم يواجه تحدياً من منافسين منخفضي الكلفة في الخارج ويفقد تدريجياً حصته في السوق. ولكن القطاع الذي يتعرض للضغط هذه المرة ليس مصنِّعاً، وإنما المزرعة الأميركية. فقد أفادت بيانات تجارية حديثة وتقرير إخباري من وزارة الزراعة الأميركية بأن الزعامة الأميركية في صادرات منتجات زراعية مهمة آخذة في التراجع. المنافسة تأتي من البرازيل وبلدان أخرى منخفضة الكلفة تستفيد من طائفة من أشكال الدعم الحكومي، بما في ذلك اتفاقيات التجارة الحرة التي ليست الولايات المتحدة طرفاً فيها. ومع الوقت، يمكن أن تكون تأثيرات ذلك مهمة: إذ مثّلت الزراعة 9% تقريباً من كل قيمة الصادرات الأميركية في 2022. وبالمقابل، شكّلت السيارات 3%. 
ولحسن الحظ هناك حل. ففي الأسابيع الأخيرة، طالبت ائتلافات لمجموعات زراعية أميركية إدارةَ بايدن ببدء العمل على اتفاقيات تجارة حرة جديدة لدعم الصادرات الزراعية. والواقع أنه لن يكون من السهل التغلب على عداء الحزبين للتجارة الحرة والذي يعود إلى اعتقاد بأنها تؤدي إلى نتائج مجحفة للعمال الأميركيين. غير أنه إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن دعم المزارعين وقوتها العاملة الزراعية، فيجب أن تضمن قدرتها على المنافسة. يبيع المزارعون الأميركيون محاصيلهم لمشترين أجانب منذ أواخر القرن الثامن عشر على الأقل. وقد نمت الصادرات الزراعية بسرعة على مدى المئتي سنة التالية، وزادت من سرعة نموها الحربُ وجهود الإغاثة وتزايد سكان العالم وثروتهم. 
وبحلول منتصف السبعينيات، شكّلت الحبوب وفول الصويا 15% من إجمالي الصادرات الأميركية، وصنعت الفرق بين فائض التجارة الأميركية وعجزها. 
وفي 1981، صدّرت الولايات المتحدة كميات قياسية من السلع الزراعية بلغت قيمتها 43.8 مليار دولار. ولكن بعد ذلك سقطت الصادرات سقوطاً حراً، إذ نزلت إلى 26.3 مليار في سنة 1986. كانت الأسباب متنوعة، ولكن أكثرها قابلية للعلاج كانت الحواجز التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة وبلدان أخرى لحماية مزارعيها المحليين. وإلى جانب دولار قوي، أضعفت مثل هذه الحواجز التنافسيةَ الأميركية عبر العالم. 
إسقاط الحواجز التجارية لم يكن عملاً سهلاً في واشنطن في الثمانينيات أيضاً. ولكن تراجع ثروة المزارعين الأميركيين كان من الأسباب التي جعلت الحكومة تشرع في التفاوض وتدخل اتفاقيات تجارة حرة خفّضت الرسوم على المنتجات الزراعية وفتحت أسواقاً جديدة. وفاقت النتائج ما كان يستطيع أي شخص تخيله حين بدأت. 
وعلى سبيل المثال، فمنذ سنة 1994، وهي السنة التي دخلت فيها اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) حيز التنفيذ، تضاعف حجمُ الصادرات الزراعية الأميركية إلى كندا والمكسيك بأربع مرات تقريباً. وخلال الفترة نفسها ارتفعت صادرات الزراعة الأميركية إجمالاً إلى مستوى قياسي بلغ 196 مليون دولار تقريباً، مقارنة مع 46.2 مليون في السابق. ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة الأميركية، فإن تلك التجارة تدعم أكثر من 1 مليون وظيفة، أكثر من نصفها غير مرتبطة بالزراعة (مثل قطاع نقل السلع بالشاحنات).
غير أنه مثلما فشل صنّاع السياسات في السبعينيات في رؤية الحواجز التجارية كتهديد للصادرات الزراعية، فإن العديد من صناّع السياسات اليوم لا يستوعبون عواقب الانصراف عن التجارة الحرة، بينما تقبل عليها بقية العالم. وعلى سبيل المثال، فإن كندا باتت تتمتع منذ 2010 بمزايا 11 اتفاقية تجارة حرة دخلت حيز التنفيذ، خاصة مع بلدان الأسواق الناشئة ذات الطبقات المتوسطة النامية. وبالمثل، دخلت تشيلي في 11 اتفاقية تجارة حرة مع أسواق ناشئة في جنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية. وفي غضون ذلك، يشير تقرير جديد لوزارة الزراعة الأميركية إلى أن الولايات المتحدة لم تدخل في أي اتفاقيات جديدة بين 2012 و2020. 
ما هي العواقب؟ الولايات المتحدة أخذت تفقد ميزتها التنافسية في سلع مهمة. وعلى سبيل المثال، فقد تجاوز الاتحادُ الأوروبي الولايات المتحدة باعتبارها أول مصدِّر للقمح في 2014 بـ 21.4% من حصة السوق. والجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة كانت تهيمن على 40% من سوق الصادرات في عام 2000. وبالمثل، تسببت المنافسةُ من الذرة البرازيلية والأرجنتينية والأوكرانية في تراجع حصة الولايات المتحدة في السوق العالمية بخصوص هذه السلعة إلى 30% مقارنة مع 71% في 2006. 
وعلى الأقل، فإن وزارة الزراعة الأميركية تستشعر وجود مشكلة. إذ أشار باحثوها ضمن التقرير الذي صدر حديثاً حول التنافسية الأميركية إلى أن «أهمية الاتفاقيات التجارية بالنسبة للولايات المتحدة كبيرة للغاية». 
إعادة بناء تنافسية الولايات المتحدة التصديرية ستستغرق سنوات. وتراجع قوة الدولار – متى حدث – سيكون مفيداً جداً، إلى جوانب عوامل أخرى. غير أنه مثلما أدت الاتفاقيات التجارية لعقد الثمانينيات إلى عقود من النجاح من عقد التسعينيات فصاعداً، تستطيع جولةٌ جديدةٌ من التجارة الحرة تحفيز نهضة وإقلاع في الصادرات. للأسف، تقاوم إدارة بايدن (ومن قبلها، إدارة ترامب) الضغوط للتفاوض حول اتفاقيات تجارة جديدة. 
وهذا خطأ – خطأ تكبِّره وتكرِّسه كل اتفاقية تجارة حرة يبرمها بلد منافس للولايات المتحدة. وعليه، فبدلاً من إعداد الولايات المتحدة لجفاف في الصادرات على غرار ذاك الذي حدث في الثمانينيات، يتعين على إدارة بايدن السعي لإجراء مفاوضات تجارية جديدة، ولا سيما مع الأسواق الناشئة سريعة النمو التي ستصبح مستوردة للطعام الأميركي في السنوات المقبلة.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»