الأسبوع الماضي، كانت قطعة كبيرة من النفايات الفضائية مندفعة نحو محطة الفضاء الدولية، مما عرّض سلامة رواد الفضاء ومحطتهم التي تدور في مدارها حول الأرض للخطر. ولحسن الحظ، تم اكتشاف هذا الخطر مبكراً وتمكنت مناورة طوارئ من إبعاد المحطة التي تبلغ قيمتها 150 مليار دولار عن الخطر. مثل هذه العمليات، التي تستهلك غالونات من الوقود الثمين، تُكلّف وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» وشركاءها مليون دولار في المتوسط للحادث الواحد.
لا بد أن هناك طريقة أفضل، أليس كذلك؟ الواقع أنه منذ سنوات والعلماء والمهندسون يسعون لإيجاد بدائل – وخاصة روبوتات جديدة باهظة تستطيع إزالة النفايات الفضائية أو دفعها بعيداً في الفضاء. ولكن ماذا لو كان أفضل حل هو ما كانوا يفعلونه طوال الوقت: أي مجرد التنحي وإخلاء المسار؟
دراسة جديدة وغير مألوفة لـ«ناسا» حول النفايات الفضائية سألت سؤالاً لن يقدّره إلا المحاسبون: ما هي الطريقة الأكثر فعّالية من حيث الكلفة لحل المشكلة؟ فبدلاً من التركيز على ما إن كانت إزالة النفايات تعزز السلامة والاستدامة، تساءلت «ناسا» حول ما إن كانت الكلفة الممكنة للاصطدامات تُبرر تطوير تكنولوجيات جديدة باهظة لتنظيف السماء.
فاتضح أنها لا تبررها على الأرجح – ليس في هذا القرن، على الأقل. وعوضاً عن ذلك، يستطيع البشر على الأرض توفير كثير من المال والجهد، عبر صقل مهاراتهم في رصد وتعقب المخلفات الفضائية وتفاديها، بالتوازي مع صياغة اتفاقيات دولية لتقليل خلق مزيد من خردة الفضاء في المستقبل.
وتمثّل النفايات الفضائية مشكلة موثقة توثيقاً جيداً ومتنامية بالنسبة للشركات التي استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في بناء وإطلاق وتشغيل الأقمار الاصطناعية التي تدور حول بالكوكب وتقوم بجمع ونقل البيانات، بما في ذلك الإنترنت ذات النطاق العريض، والاتصالات العسكرية، ومراقبة الطقس. 
وأصبح القمر الاصطناعي السوفييتي «سبوتنيك» أول خردة فضائية في العالم حين نفدت بطارياته بعد ثلاثة أسابيع فقط على إطلاقه في 1957. وبنهاية ذاك العقد، كانت تدور حول كوكب الأرض أقمار اصطناعية ميتة، ومراحل مستهلكة من الصواريخ، وبراغٍ ومسامير وأدوات تسقط خلال مهمات المشي في الفضاء، وبقع صباغة، ومجموعة واسعة من القطع المعدنية. واليوم، وبالإضافة إلى حوالي 7200 قمر اصطناعي عامل تسبح في مداراتها حول الأرض، هناك نحو 36 ألفاً و500 جسم يفوق حجمها 10 سنتمترات (بما في ذلك 2500 قمر اصطناعي ميت)، ومليون قطعة من النفايات التي يتراوح حجمها بين سنتمتر واحد و10 سنتمترات، و130 مليون قطعة من النفايات التي يقل حجمها عن 10 سنتمترات. 
والواقع أن الاصطدامات تحدث. ففي 2009، اصطدمت آلة روسية ميتة مع قمر اصطناعي أميركي نشط بسرعة 22300 ميل في الساعة، فدمّرته مما أدى إلى إطلاق ألفي قطعة جديدة على الأقل من النفايات الفضائية في المدار. 
ولكن وعلى نحو مفاجئ تُعد الاصطدامات المدمرة نادرة، جزئياً لأن المراقبين على كوكب الأرض أصبحوا بارعين في رصد قطع الخردة الأكبر حجماً والالتفاف عليها. وعلى سبيل المثال، فإن شركة «وان ويب»، التي تشغّل كوكبة من 600 قمر اصطناعي تقريباً، تنفّذ 6 إلى 8 مناورات في اليوم لتجنب اصطدامات محتملة. فكيف إذن يمكن تحديد حجم تهديد النفايات الفضائية؟
هنا يأتي دور مكتب التكنولوجيا والسياسة والاستراتيجية التابع لـ«ناسا». دراسته الجديدة سعت لتحديد سعر لتجنب نفايات الفضاء، ثم بحثت حلولاً ممكنة أخرى تُؤتي أكلها في مدة زمنية معقولة. وكانت خلاصتها المفاجئة، بالنظر إلى الخوف الذي تثيره نفايات الفضاء، هو أنه إذا كان تحريك المحطة الفضائية العملاقة من أجل مناورة قد يكون باهظاً جداً، فإن تجنب النفايات يكلّف شركات تشغيل الأقمار الاصطناعية الأميركية 58 مليون دولار فقط في السنة. وعلى سبيل المثال، فإن الكلفة التقديرية لإبعاد قمر اصطناعي تجاري تبلغ قيمته 500 مليون دولار عن مسار قطعة خردة قابلة للرصد في الفضاء، هي 699 دولاراً، بما في ذلك العمالة. 
ولحسن الحظ، هناك خيارات رخيصة لخفض الخطر اليوم وفي المستقبل. ولعل الخيار البديهي هو الحد من كمية النفايات التي تطلق وتترك في الفضاء. وهناك طرق جيدة لفعل ذلك، بدءاً بقواعد تنص على ضرورة أن يقوم مالكو الأقمار الاصطناعية بإزالة مركباتهم الفضائية من المدارات المزدحمة حين تصبح غير ذات فائدة. 
ولدى الولايات المتحدة قواعد صارمة تنص على ذلك تحديداً، ولطالما كانت هناك طموحات لرؤية تلك القواعد تترجم إلى اتفاقية دولية لتقليص النفايات الفضائية. ولهذا، ينبغي على إدارة بايدن أن تسعى لإقناع شركاء أميركا وحلفائها الفضائيين بالموافقة على المعايير الأميركية، ثم بدء محادثات أوسع. وبينما تصبح بلدان أخرى، ولا سيما الصين والهند، قوى فضائية قائمة بذاتها، ينبغي أن يشكّل وضع قواعد للحفاظ على الفضاء آمناً ومستداماً أولويةً عالميةً. 
وإذا تسنى التوصل لاتفاقية عالمية بشأن تفادي النفايات، فإنه يمكن الانكباب على المسألة الأصعب المتمثلة في تقاسم تكاليف وأعباء معالجة ما هو موجود. ووفقاً لتقرير «ناسا» الجديد، فإن أجهزة الليزر الأرضية والفضائية التي تُبعد النفايات عن المسار دون أن تدمّرها قد تحقق المردودية الاقتصادية في غضون عقد. ولكن منافسي الولايات المتحدة سيحتاجون لضمانات بأن أجهزة الليزر تلك ليست أسلحة هجومية. غير أن اتفاقية شاملة حول النفايات الفضائية يمكن أن تشكّل طريقاً للقيام بذلك، وخاصة في وقت أضحى فيه الفضاء أكثر ازدحاماً بأجهزة البلدان الأخرى. إن الفضاء سيصبح مشكلة الجميع! 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سيندكيشن»