يفترض أن تُحسم سباقات الفضاء في مختبرات الهندسة أو هناك في المدار حول الأرض. ولكن بفضل جيف بيزوس، قد يُحسم سباق الفضاء المقبل في قاعة محكمة أو مقر الهيئة المقننة. 
ففي وقت تتأخر فيه خلف شركة إيلون ماسك «سبيس إكس» في سباق إعادة البشر إلى القمر وإطلاق خدمة الإنترنت عبر القمار الاصطناعية، أخذت شركات بيزوس تلجأ على نحو متزايد إلى السياسة والدعاوى القضائية من أجل التقدم في السباق. والواقع أن الأمر لا يتعلق بمقاربة جديدة تماماً في واشنطن. غير أنه إذا انتصر بيزوس، فإن ذلك يمكن أن يلحق ضرراً كبيراً بقطاع الفضاء التجاري الأميركي، في الوقت الذي أخذ فيه يقلع من جديد.
وقد يصعب تصديق ذلك هذه الأيام، ولكن «الإدارة الوطنية للطيران والفضاء»، «ناسا»، كانت تشتهر في الماضي بسرعتها وفعاليتها. ففي يوليو 1962، مثلاً، دعت «ناسا»، 11 شركة لتقديم عروضها بشأن «وحدة استكشاف القمر» التي ستنقل رواد فضاء إلى سطح القمر لأول مرة. وبعيد ذلك بفترة قصيرة، اختارت شركةَ «غرومان إيركرافت إنجنيرينغ كورب.» (التي أصبحت تسمى لاحقاً «نورثروب غرومان كورب.») للعقد. وبعد سبع سنوات فقط على ذلك، كانت الوحدة على سطح القمر. غير أنه منذ ذلك التاريخ، للأسف، تباطأت وتيرة «ناسا» بينما ارتفعت التكاليف. وفي 2007، حتى نشير لمثال واحد فقط، رخّصت الوكالة لبرنامج لتطوير بدلة فضائية جديدة من أجل جولة أميركا المقبلة من اكتشاف القمر. وبعد أربع عشرة سنة على ذلك، ما زالت البدلة الجديدة لم تنجز بعد. وقد توقعت عملية تدقيق حديثة أنه لن تكون هناك بدلة قبل أربع سنوات أخرى على الأقل. أما بخصوص الكلفة، فإنه تقدر بنحو 500 مليون دولار للبدلة. وأحد الأسباب الرئيسية لهذه الوتيرة البطيئة جداً هو أن المشروع وزّع على 27 متعاقداً منفصلاً. 
في 2019، لخّص بيزوس المشكلة على نحو جيد إذ قال: «نظراً لأنه أصبح يُنظر إلى برامج «ناسا» الكبيرة على أنها برامج وظائف كبيرة، على اعتبار أنها ينبغي توزيعها على الولايات المناسبة حيث يعيش السيناتورات المناسبون، وما إلى ذلك، فإن ذلك سيغيّر الهدف». 
وخلال الحديث نفسه، توقع بيزوس أنه لو أجريت منافسة على «وحدة استكشاف القمر» اليوم، لوقف المحامون في طابور واحد إلى جانب المهندسين إذ قال: «اليوم، كانت ستكون هناك ثلاثة احتجاجات، وكان الخاسرون سيقاضون الحكومة الفدرالية لأنهم لم يفوزوا. إنه أمر مثير للاهتمام، ولكن الشيء الذي يبطئ الأمور هو المشتريات. لقد أصبحت عقبة أكبر من التكنولوجيا». 
وقد كان على حقّ! فالعام الماضي، اختارت «ناسا» ثلاث شركات – شركة «بلو أوريجين» التي يملكها بيزوس، و«سبيس إكس»، و«داينيتيكس إنك.» – للتنافس على عقد مركبة فضائية من أجل مهمتها المقبلة إلى القمر، التي من المقرر أن تهبط في 2024. الوكالة كان من المتوقع أن تختار مرشحين، غير أنها في أبريل الماضي أعلنت أنها ستختار مرشحاً واحداً فقط هو «سبيس إكس». وبدلاً من أن تعترف بالهزيمة، عمدت «بلو أوريجين» إلى رفع شكوى لدى «مكتب محاسبة الحكومة». وعندما فشل ذلك، رفعت دعوى قضائية ضد «ناسا». وبينما طال أمد القضية في المحكمة، اضطرت «ناسا» لوقف العمل على المركبة الفضائية وتعريض جدولها الزمني للخطر. 
غير أن بيزوس لم يتوقف عند هذا الحد. ففي 25 أغسطس، طلبت شركة «أمازون»، التي يُعد بيزوس مؤسسها ورئيسها، من «لجنة الاتصالات الفدرالية» رفض خطة «سبيس إكس» المحدّثة الخاصة بكوكبة من الأقمار الاصطناعية لتوفير خدمة الإنترنت. وتمتلك «سبيس إكس» أكثر من 1700 قمر اصطناعي من هذا النوع في مداراتها حول الأرض، مع خطط لإنتاج ما يصل إلى 30 ألف قمر اصطناعي آخر. وليس من قبيل الصدف أن «أمازون» لديها خططها الخاصة بها بخصوص أقمار اصطناعية للإنترنت. ومع تقلص احتمال اللحاق بمنافستها على المدى القصير (حتى الآن، لم يتم تحديد تاريخ إطلاق لأي من أقمارها الاصطناعية)، أحالت «أمازون» هجوماً شخصياً على ماسك إلى «لجنة الاتصالات الفدرالية» الأسبوع الماضي، مدعيةً أن «القواعد هي للأشخاص الآخرين» في شركاته. 
وما زال من غير الواضح كيف سيتلقى المقنِّنون والمحاكم هذه الشكاوى والدعاوى القضائية. غير أنه حتى في حال فاز بيزوس، «فإنه ينبغي على «ناسا» ألا تنظر بعين الرضا إلى استراتيجية تهدف – جزئيا على الأقل -- إلى إبطاء الابتكار والاكتشاف عبر تسخير المحامين. والحق أن«سبيس إكس» متقدمة في هذا السباق بكل المعايير تقريباً، إذ تطلق صاروخاً كل بضعة أسابيع وتفوز بعقود لإرسال مركبات فضائية إلى القمر. ولكن الشركات الكبيرة التي لديها أموال كثيرة ستجد دائما إغراء في المقاضاة بدلاً من المنافسة. غير أنه ينبغي على بيزوس، باعتباره واحداً من أنجح رواد الأعمال في التاريخ الأميركي، أن يدرك أن أحسن دعم لتقدم البشرية في الفضاء إنما يكمن في الوثوق في المهندسين والعلماء – وليس المتقاضين. إن سباق الفضاء في بدايته فقط. وسيكون من الأسف رؤيته مقيداً إلى منصة الإطلاق بقيود البيروقراطية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»