بفضل التقدم الذي يقلص الكلفة في تكنولوجيا الصواريخ والأقمار الاصطناعية، يستعد عدد أكبر من الدول والشركات لإطلاق المزيد من الأجسام في المدارات عن أي وقت مضى.

وبهذا الاستعداد، تتزايد مخاطر التصادم. والأخبار الجيدة تتمثل في أن نفايات الفضاء هي واحدة من المشكلات النادرة التي يجب على الخصوم الجيوسياسيين والمنافسين من الشركات أن يجدوا فيها قضية مشتركة، أو هذا هو الأمل على الأقل.

والعلماء والسياسيون قلقون بشأن نفايات الفضاء منذ عقود. وطرح بحث نُشر عام 1978 احتمالاً كئيباً. فمع تكاثر الأقمار الاصطناعية، سيتزايد معها التصادمات وكل تصادم سيتمخض بدوره عن أنقاض، مما يفاقم بدوره احتمالات التصادمات.

والنتيجة ستتمثل في حزام من نفايات الفضاء شديد الكثافة بدرجة تجعل من المؤكد عدم إمكانية استخدام المدارات القريبة من الأرض. وأثارت الدراسة اهتماماً شديداً في وكالة «ناسا» الأميركية (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء)، التي أنشأت «مكتب برنامج الأنقاض المدارية» لمعالجة المشكلة. وأصدرت الوكالة، عام 1995، أول إرشادات لتقليص الأنقاض.

واقترحت، ضمن أشياء أخرى، تصميم الأقمار الاصطناعية لتعود إلى غلاف الأرض في غضون 25 عاماً من إتمام المهمة. وتلى ذلك دول أخرى لها نشاط في الفضاء والأمم المتحدة بتقديم إرشاداتها. لكن كان هناك افتقار في سرعة الاستجابة والالتزام، وهذا يرجع في جانب منه إلى أن العالم لم يتعرض حتى الآن لتصادم مدمر بين مركبة فضائية وأنقاض.

وهذا سيتغير قريباً. فقد أطلقت الصين، عام 2007، صاروخاً باليستياً على واحد من أقمارها الاصطناعية القديمة لرصد المناخ مما تسبب في أكبر سحابة من أنقاض الفضاء تم رصدها. وبعد ذلك بعامين، تصادم قمر اصطناعي روسي معطل للاتصالات مع قمر اصطناعي آخر يعمل، تشغله شركة «إريديوم ستالايت»، مما تمخض عن نحو ألف قطعة من الأنقاض يبلغ قطر الواحدة منها أربع بوصات على الأقل. وقد يتسبب أي من هذه الشظايا في دمار كارثي في حالة وقوع تصادم.

ومنذئذ والوضع يتفاقم. فهناك الآن أكثر من 100 مليون قطعة من نفايات الفضاء تدور حول الأرض. صحيح أن غالبيتها العظمى في حجم حبات الرمل أو أصغر، لكن هناك 26 ألف قطعة كبيرة بما يكفي لتدمير قمر اصطناعي. ومع تزايد الكيانات التي تريد الدخول إلى الفضاء لأغراض علمية وتجارية، تتزايد سريعاً احتمالات وقوع تصادم. وهناك نحو 4000 قمر اصطناعي يعمل في المدار وفي السنوات التالية قد يتجاوز الرقم 100 ألف. ولا شيء جديداً في هذه في الدول التي لها نشاط في الفضاء والتي تعي جيداً مدى قدرة نفايات الفضاء على التأثير على عملياتها البحثية، بما في ذلك التهديد الذي تمثله لرواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية.

وتنتج شركات مثل «سبيس إكس» مجموعة من الأقمار الاصطناعية الجديدة التي ستكون عرضة لاحتمال التصادم مع الأنقاض المختلفة. ومع تزايد أهمية مدار الأرض كساحة للتنافس العسكري، يحتمل أيضاً أن يجري تفسير التصادمات بأنها ليست مجرد حادثة. ما العمل؟ ربما يساعد في هذا الشأن إقامة جسر عتيق الطراز بين الدول التي لها نشاط في الفضاء.

فمن الضروري تحديث معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. وخاصة تحديث المواد التي تمنح الدول حقوق ملكية دائمة على معداتها في الفضاء، وهذه المواد ربما تعقد جهود تنظيف الأنقاض. فهل تستطيع الصين التخلص من جانب واحد من قمر اصطناعي روسي معطل- ربما يتضمن ملكية فكرية قيمة- إذا كانت معداتها معرضة لخطر وشيك؟

فالمزيد من الوضوح في هذه المسائل قد يساعد في تعزيز الثقة والتعاون. ويجب أيضاً على «ناسا» تمويل أبحاث تكنولوجيات التخلص من الأنقاض. والتكنولوجيات التي قدمتها في الآونة الأخيرة شركة «استروسكيل» اليابانية الناشئة، تعتبر نموذجاً واعداً. ويتعين على «ناسا» أيضاً التفكير في إقامة شراكات مع الشركات التي تطور هذه التكنولوجيات.

ويجب على الولايات المتحدة السعي أيضاً إلى توسيع «اتفاقات أرتيميس»، وهي إطار عمل للتعاون في الفضاء ضم حتى الآن 11 دولة أخرى. ومع انضمام المزيد من الدول، يتعين أيضاً النص نمطياً على الالتزام ببروتوكولات تقليص الأنقاض مثل الالتزام بتحديد أي البلاد مسؤول عن التخطيط لنهاية المهمة. ولا يمكن اتخاذ أي من هذه الخطوات قريباً بما يكفي لمنع تحطم قمر اصطناعي تال. لكنها مع مرور الوقت، ستساعد في جعل الفضاء مكاناً تتعاون، لا تتصادم، فيه الشركات والدول.

*آدم مينتر

*كاتب متخصص في شؤون الفضاء والبيئة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»