الأحد 19 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الفجيرة للفلسفة» يطرح سؤال الهوية والحداثة العربية

«الفجيرة للفلسفة» يطرح سؤال الهوية والحداثة العربية
20 نوفمبر 2022 00:59

نوف الموسى (الفجيرة)
استمرت الجلسات النقاشية في اليوم الثالث لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، بالبحث عن المعيقات الرئيسية لماهية إنتاج حداثة تتفرد بها المجتمعات والأوطان العربية، ولمَ كل هذا التحفظ من الحداثة الغربية، وجاء سؤال «الهوية»، باعتباره أزمة اندلعت بعد الحرب العالمية الأولى، تستدعي بحثاً فلسفياً، عن ماهيته في التجربة الإنسانية.

 

وعلى رغم المقالات والمباحث النقدية التي تصدت لعرض تعريف مفصل حول ما هي الهوية، إلا أن استخدام مفاهيم من مثل إعادة الهوية للمكان الثقافي، في مشروعات إعادة التأهيل المعماري وغيرها، في السياقات المجتمعية والسياسات الثقافية، وكما أشار إليها المفكر والباحث الجزائري د. الزواوي بغورة، أستاذ الفلسفة المعاصرة بقسم الفلسفة في جامعة الكويت، في نموذج لإعادة «حي القصبة» بالجزائر، المسجل لدى منظمة «اليونسكو» كجزء من التراث العالمي، أن استخدام لفظة إعادة هوية القصبة، توحي بأن الهوية في الدولة الحديثة يمكن بناؤها وهدمها وإعادة تشكيلها، وهذا المعنى الجديد لم تألفه المجتمعات القديمة! وفي سياق البحث عن مفهوم الأزمة في الدولة الحديثة، استحضرت د. مليكة بن دودة، وزيرة سابقة بوزارة الثقافة والفنون الجزائرية، قضية عالمية راهنة، عبر قراءة في تداعيات أزمة «كوفيد 19» على مفهوم السلطة، مبينةً أنها لم تكن أزمة صحية عالمية فقط، بل كانت كذلك أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية. أما على المستوى الإبستمولوجي فقد كانت لحظة مهمة لإعادة اكتشاف والتحقق من بعض المفاهيم وبخاصة في الفلسفة السياسية. 

الراهن وتجلياته
وأوضح د. الزواوي بغورة في مداخلته عن «الراهن وتجلياته الفلسفية»، أن الفلسفة إذ لم تستند على العلوم الإنسانية، فإنها ستبقى مجرد استبصارات وانطباعات، وذلك لا يمنع أن يكون للفيلسوف موقف من الحاضر، إلا أن الفلسفة تتسم بالمعرفة ذات الطبيعة الكلية، لافتاً إلى أنه لا يريد في هذا المقام الإجابة عن السؤال الأساسي: ما هي الهوية، بل أن يبحث في كيفية استخدام الهوية، وفق استعمالات عدة، مثل الاستعمال المنطقي المعروف على النطاق الفلسفي والفكري، والاستعمال الوطني، الذي لجأت إليه الدولة الوطنية، وأنتجت منه «بطاقة الهوية الوطنية»، مشكلاً مظهراً رسمياً لمطابقة الشخص بمعلومات وجدت في وثائقه، وعرفته على أنه مواطن في دولة معينة، وهذا الاستعمال مثل انتقالاً لاستعمالات الهوية في الدراسات الفلسفية.

وفتحت منظومة الاستعمالات المتعددة للهوية حالة من الأزمة، التي لازمتها، ومنه نجد أن الكثير من المجموعات بحسب هوياتهم المجتمعية والثقافية والفكرية والدينية والسياسية، طالبوا بالاعتراف بهم، ضمن نسيج الهويات العامة في المجتمعات.

وتابع د. الزواوي بغورة أن الاعتراف هنا يقوم على مبدأ معرفي، حيث يتعلق الأمر بمسألة الإقرار بالوجود والتعدد والاختلاف الذي تتضمنه المجتمعات، ولا يكفي أن نقر بواقع الاختلاف، وإنما يجب أن نجعل أيضاً من الاختلاف معياراً، ما يعكس الجانب الأخلاقي والسياسي، في مسألة الاعتراف بالهويات المتعددة. 
 
واعتبرت د. مليكة بن دودة في مداخلتها حول «الدولة والأزمة»، أن أزمة «كوفيد 19» كشفت كيف أن بعض الدول فقدت الكثير من سيطرتها على الأزمة، وفقدت قدرتها على الترقب والتوقع، وأظهرت حدود احترافية مؤسساتها، في القدرة على التنبؤ والتدبر، حيث عاشت سلطة بعض الدول إحدى أهم لحظاتها التاريخية إحراجاً وتشكيكاً في فاعليتها ومصداقيتها بعد سيطرة هواجس الخوف على الناس، ما يجعلنا نتفق أن أزمة «كوفيد» كشفت عن حدود السلطة السياسية، أمام ضرورتها في تدبير الشأن العام! فالسلطة السياسية ضرورية حتى لا نسقط فوق بعضنا بعضاً، وحتى لا تقضي الفوضى على بعض حقوقنا، ولا يقضي أقوانا على أضعفنا، ولكن ممارسات السياسة المعاصرة أثبتت أن السلطة لا تعني شيء آخر غير الثقة، الثقة فيمن تمنح له هذه السلطات، حيث ترى حنه أرندت في نصها السلطة، أن افتقاد السلطة هو خطر في حد ذاته: «عندما تنعدم السلطة، يصبح كل شيء موضع تساؤل، ويجب علينا إما إقناع المواطنين بالحجج أو باستخدام الخوف أو القوة، وما هو يحدث في الأنظمة التوتاليتارية». 

الحداثة العربية
ومن جانبه، تساءل د. جوزيف معلوف، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية عبر مداخلته «التنوير والراهن»، حول تحفظ بعض المجتمعات العربية تجاه الحداثة الغربية، وما هي الأسباب التي تمنع من بناء حداثة منفتحة وعربية خاصة بنا، مرجحاً العديد من الأبعاد لموضوع التحفظ أبرزها أن الحداثة الغربية اقتحمت الثقافات والهويات الأخرى من خلال سلب هوياتها، ومن أجل قيم الحداثة كالحرية والديمقراطية تم تدمير دول بأسرها في العالم العربي، لافتاً إلى أننا جميعاً ندرك لمَ لم يتسنى للمنطقة العربية أن تبني حداثة خاصة فيها منذ القرون الوسطى، وذلك لظروف الاستعمار، إلى جانب تعلقنا بالماضي. وتابع أن هناك مجتمعات عربية تريد خلق نمط فكري خاص فيها، ولكن حين تأتي الحداثة من الآخر بوجه مقتحم، يكون هناك تحفظ كبير من هذه الحداثة، ويلجأ البعض في هذه المجتمعات، وهم يعرفون أنه فعل قد يكون خاطئاً، بالرجوع إلى الماضي لتأكيد هويتهم خوفاً من هذا الاجتياح.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©