بالحب وحده تشرق المرايا بوجوه كأنها الغيمة الممطرة وتبدو الحياة شجرة وارفة الظلال.
فلا تفوتوا فرصة السلام، لا تدعوا الابتسامة تفلت من وجنات الصباح، لا تدعوا الصفح يتحول إلى غضب عارم يطيح بالزرع والضرع، لا تدعوا العقل يقود ركاب الغضب، لا تدعوا العقل يقفز قفزات الضباع الشرسة، لا تدعوا العقل يتحول إلى رحى تطحن الرمل بدلاً من دقيق النمو والازدهار.
الإسكندر الأكبر غزا العالم وأطاح بممالك وأباطرة، ولكنه عندما وافته المنية ووقع على فراش الموت قال لصاحبه عندما أموت دع يداي خارج الكفن فاستغرب الصاحب دهشاً واستفسر قائلاً لماذا يا سيد العالم، فقال له الإسكندر لأنني جئت إلى العالم خالي الوفاض وها أنا أرحل عنه كذلك.
هذه هي حكمة الزمان، هذه هي فطرة الحياة، هذه هي سنة الخلق.
فالحب وحده الذي يحفظ الشأن والفن والشجن، الحب وحده الذي يجعل من الإنسان كبيراً مهما كان وضعه، والمقولة الشرقية تقول (كن أقل تكون أكثر)، فالقناعة بديدن الحب هي السر في نجاح مشاريع البقاء على قيد الحياة من دون هنات ولا زلات ولا وهن.
اليوم وقد بلغت الحضارة الإنسانية مبلغها الجميل تواجه عقلاً مأزوماً بالحقد والكراهية، ولذلك فهي أي الحضارة تعاني تشويهاً وتكابد لوعة الانهيار جراء هذا السيل الجارف من الكراهية والمغلفة بلفافات من الشعارات الصفراء، سواء كانت دينية أو عرقية أو لونية، واليوم يواجه الكائن البشري هذه الهجمة الشعواء من جهة العقل المتغطرس، وتعاني الشعوب ويلات هذه الطاحونة العقلية المخدوعة بأفكار سوداوية قاتمة، ويعيش ملايين البشر في فقر مدقع، وتتشرد شعوب ويموت الأطفال وتثكل النساء فقط لأن المجانين كثر، ولأن العصابيين يملؤون الساحات ولأن المتطرفين يقودون المرحلة وهم معصوبو العيون لا يرون أبعد من أخمص القدم.
ويشعر المتأمل للمشهد العالمي بأن هناك طاعوناً بشرياً بدأ يغرس مخالبه في العقل، وأن هذا العقل الذي عمر الأرض ومنحها عبقرية التطور يتحول إلى محراث سوء يبعثر ما بناه، ويبذر ما شيده، ويلوث البيئة البشرية بغبار مسموم، ويشوه ويسوف ويسف؛ ولذلك فإن الأمل الوحيد للشعوب معلق على عاتق العقلاء من أبناء الأرض، هؤلاء وحدهم مطالبون بشحذ الهمم وإيقاظ الذمم، وإعادة ترتيب البيت البشري ورد الاعتبار للحضارة البشرية، وهم قادرون لو أرادوا وهم جديرون بفعل ما يمكن أن يرفع الضيم والضنك عن الملايين من بني البشر، هم قادرون على الحفاظ على خيمة البشرية من السقوط، هم قادرون من رد الجميل لأمنا الأرض التي أعطتنا الكثير، وواجب علينا الاستمرار في رفع الصوت والقول لا للكراهية، لا لتدمير قلب أمنا الأرض، لا لكل متطرف متعجرف مخرب لا لكل الذين لا يعشقون سوى القبح والرثاثة.