شيء اسمه نداء القلب، هو من يعلو كثيراً، خاصة في كرة القدم على صوت العقل، كلما تعلق الأمر بلاعب تتعدد فيه الجذور، وتتعانق الانتماءات، ويدعى إلى أن يحدد الوجهة الرياضية الدولية، فلا يجد سوى «بوصلة القلب» التي بها يهتدي في بحور أمواجها شك ويقين.
نسي المغاربة أحزانهم، بعد خروج «أسود الأطلس» من ثمن نهائي كأس أمم أفريقيا، من فرط إثارة قصة إبراهيم دياز لاعب ريال مدريد الإسباني، الذي قرر مرة البقاء على جنسيته الرياضية الإسبانية، وأخرى قرر دخول عرين «أسود الأطلس»، وهنا تبارت الصحف المغربية والإسبانية في توقع نهاية هذه الدراما، ودياز البطل الفعلي لهذا المسلسل، منخرط في صمت رهيب، لا يتكلم فيه إلا إبداعه داخل الملعب مرتدياً قميص الملكي.
والحقيقة أن إبراهيم دياز الذي تجمع جذوره بين المغربي والإسباني، ما كان قبل سنتين ليطرح على نفسه، سؤال الخروج من بلاط «لاروخا» للدخول إلى عرين «أسود الأطلس»، كان يتنعم بكل ما هو إسباني وكرنفالي في حياته، وفي شرايين دمه وحتى في صك أحلامه، انتظر طويلاً أن تصله دعوة من الناخب الإسباني، ليحمل قميص منتخب «لاروخا» بشكل لا تقطع فيه، قبل أن يوجِّه وليد الركراكي مدرب «الأسود» الاتحاد المغربي لكرة القدم بـ «النبش» في ملف إبراهيم، وقد كان يومها معاراً من ريال مدريد إلى ميلان الإيطالي.
لم يكن دياز الذي ولد بالقرب من مالقا جنوب إسبانيا، قد تردد كثيراً على المغرب موطن الأجداد، إلا أن الدعوة التي جاءته من الاتحاد المغربي قبل أشهر ليزور مدينتي طنجة لؤلؤة المتوسط وأغادير جوهرة الأطلسي، تجعله يفتح عينيه على عالم من المشاعر الجياشة لم يكن قد أبصره من قبل، بداخله صحت الأحاسيس، وهاجت العواطف، أو لعله أبصر أول الطريق.
طلب إبراهيم أن يعود إلى المغرب مرة ومرتين، وكانت زيارته لمراكش البهجة، وهنا صرخ القلب بأعلى الصوت، وانمحت من خريطة العقل كل الحسابات، وقرر دياز فعلاً أن يبدأ الإجراءات الإدارية التي تمنحه جواز الانتماء والولاء للمغرب، ومن تم توجيه طلب على عجل إلى «الفيفا» يحدد فيه إبراهيم الجنسية الرياضية التي سيحملها، وجاء الرد سريعاً، وها هو إبراهيم دياز الذي بنى قبل ثلاث سنوات أحلاماً كثيرة على الجدارات الأندلسية، يجد نفسه موشحاً بالعلم المغربي، أسداً جديداً يحلم المغاربة معه بأشياء كثيرة، وكل ذلك لغز حله القلب، وهو يشع مثل النور، وسط ظلام الحيرة والسؤال.