عامرة بالدهشة هذه النسخة الـ34 من كأس أمم أفريقيا، التي أنهت دور الـ16، واقتربت من الكشف عن بطل، ستتوجه بالتأكيد الأرقام والمعطيات وحقائق الملعب، وليس «نوستالجيا» التاريخ.
والدهشة مما نرى لا يمكن أن تصل إلى مستوى المفاجأة، فما حدث كان متوقعاً، وما شاهدناه لم يكن قطعاً بالأمر الخارق.
عرفتنا هذه النسخة من المونديال الأفريقي، وقد سقط حامل لقب نسختها السابقة، منتخب السنغال من الدور ثمن النهائي، ومن السباق الجميل نحو تاج أفريقيا، انسحبت أيضاً منتخبات ثقيلة في ميزان الترشيحات والتاريخ، عرفتنا بحقيقة كان يجب أن نراها وهي متجلية لكل العيون، أن تضاريس كرة القدم الأفريقية تغيرت، وأن الأدوار اختلفت، وأن من كانوا في عيون الناس صغاراً، نضجوا واشتد عودهم الكروي، وأصبح من حقهم أن يحلموا.
لذلك لم يكن مفاجئاً لأيٍّ منا أن تنسحب منتخبات ثقيلة من أول دور، منتخب الجزائر الذي ترنح أمام أنجولا وبوركينا فاسو قبل أن يبتلعه «المرابطون»، ومنتخب تونس الذي يمثله واحد من أفقر الأجيال موهبة وإبداعاً، ومنتخب مصر الذي أوجع الجميع بانهيار منظومته الدفاعية، وهو يلعب أربع مباريات من دون أن يفوز ولو بواحدة منها، ومنتخب الكاميرون الذي ابتعد كثيراً عن زمنه الجميل، فما أتقن غير اللعب بمشاعر الكاميرونيين، وحتى منتخب السنغال الذي تسيد أرقام دور المجموعات، وظننا أن طريقه سالكة ليحتفظ باللقب، فإذا به يجثو على قدميه أمام فيلة خرجت من الموت السريري.
وبالقدر نفسه لم يكن مفاجئاً، أن يتصدر منتخب غينيا الاستوائية مجموعة منتخب كوت ديفوار، بعد الرباعية الصادمة التي أسقط بها أبناء العاج، ولا أن يصل منتخب الرأس الأخضر بأداء مدهش للدور ربع النهائي، ولا أن يعبر منتخب موريتانيا دور المجموعات للمرة الأولى في ثالث حضور له بكأس أمم أفريقيا، ولا أن يتجرأ المحاربون الشجعان لناميبيا على نسور قرطاج، ولا أن يشتد عود منتخب أنجولا، فلا تخاف الغزلان السمراء شراسة الأسود، ولا مكر الثعالب، ولا لدغة الأفاعي، وهي تتجول في الأحراش.
ما شاهدناه حتى الآن في كأس أمم أفريقيا مدهش وجميل، لكنه غير مفاجئ، لأنه يجسد مفهوم التطور، فتلك المنتخبات التي انحنت وتقهقرت، إلى درجة أنها ناقضت الترشيحات، وهي تنسحب من البطولة القارية مطأطأة الرؤوس، لم تطور لا منظومة العمل ولم تحافظ على وصفة النجاح، ولم تستثمر في الإرث الكروي الثقيل، في مقابل ذلك المنتخبات التي تمردت على التوصيفات التي تصغرها في عيوننا، ما فعلت ذلك إلا لأنها صممت مشروعاً كروياً يتطابق مع ممكناتها البشرية والرياضية وحتى الاقتصادية، وعملت على تنزيله بطريقة رائعة، فأنتجت هذه الدهشة التي ألغت مفهوم المفاجأة.