تحت الغيمة تبدو السماء شرشفاً من مخمل، والأرض في حفل بهيج، للعشب سنابل، والأشجار تمد أنامل الفرح.
القطة في المكان توشوش لقطة أخرى،  وتتبع خطوات الفرائس، والعصافير تنقر بين الخصلات الخضراء، وتعزف لحن الخلود.
أي مدينة هذه في الزمان كأنها ملحمة في ذاكرة التاريخ، كأنها أسطورة من أساطير هوميروس، أيها الشاعر، انهض من سباتك،  فأثينا تستعيد التاريخ، ولكن على أرض أهلها والضاد حرفان لا علامة سكون عليهما.
في المساء تطفو أغنيات الأطفال من خلف الجدران، والصدح شجي، بينما الشمس تحدق في الوجود من خلف ظهر الغيمة، أشعر أن الزمان له أصابع،  تلمس قلبي، وأشعر أن لقلبي حاسة أخرى، أشم رائحة عباءة تمر من حولي، وضفيرة،  مبخرة برائحة الأزقة القديمة، وأشياء أخرى تطوق الوجود بصور، ومشاهد، وأحلام طفولة، أو ما بعدها بقليل، أشياء تبدو أمام العينين، كأنها تحدث الآن، ولا شيء أجمل من أن نكون في اللحظة جذوة نار، تحرق الهواء، وتطرد الدخان إلى الأعلى، وأنا أسير بين الأزقة وتحت الغيمة تحرسني ذاكرتي، وصور ما زالت ترسم الابتسامة، وترسمني على سبورة أيامي، وأحلامي، وآلامي، وأشياء أخرى، فيما لو وثبت من القلب، وانقلب قارب العمر، واستوت الصور على جفني كأنها مشاهد لفيلم مصري قديم.
الله عندما تحضر الغيمة، وكأن العالم يتشكل من جديد، وكأن الإنسان الأول لم يزل يلتقط أول ثمرات الحياة.
بين الأزقة تبدو الطريق مكسوة برائحة امرأة كانت تسند القلب بأنامل، وأشواق، وتحرك من حولي الهواء كي يحدث المستحيل في صيف لا يغلق كير الحداد، ولا يسكت عويل القطط التائهة بين الرمل والترمل.
هذه صورة من وقت مضى، ووقت لم يزل يتجلى بأحلامه،  وأقلام التاريخ لا تسكت فقاعاتها على الورق الأبيض.
هنا،  في وسط المدينة، هنا عند قارعة بلون الفضة، أشعر بوحدة دافئة، أشعر أن دفتر الكلام لا يزال مفتوحاً، ولا تزال الكلمات تتدفق من سم الخياط، ولا يزال في الوقت متسع رغم غروب العمر، رغم أفول نجم العفوية، رغم تلاشي الفطرة بفعل الضجيج.
عندما تشك في ذاكرتك بفعل الزمن،  فاذهب إلى الشارع، وانتظر حتى تمر عباءة معطرة ببخور انشراحة الصدر، حينها سوف تغفو على جفنيك، صور، ووجوه، ربما توارت، ولكنها لم تتلاشى،  بما أطفأت أنوارها، ولكنها لم تغادر المكان.
هي الوجوه التي تحبها رغم الغياب، رغم أسباب الغفلة، لكنك، أنت وحدك في الطريق تسأل عن هذا، وذاك، لعل وعسى يحضر أحدهم.