في كل عام، يرسّخُ معرض أبوظبي الدولي للكتاب مكانته كإحدى الفعاليات التي يتسابق الجميع لحضورها، ليس من أجل اقتناء الكتب الجديدة فقط، وإنما للقاء الأدباء والمثقفين والمؤلفين على اختلاف مشاربهم. ومثل كل عام، ذهبتُ إلى المعرض مشغوفاً بإعادة شحن الذات بهذه الجرعة المعرفية التي تغذي الروح وتبث في العقل شهوة التجديد والتألق والتنافس على خلق الجمال.
كان المعرض كما عهدناه، حركة دؤوبة نشطة من القائمين عليه وفي مقدمتهم الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، الذي تراه في كل زاوية وركن يتابع تفاصيل الأشياء ومعانيها، ومعه فريق عمل متميز يجسّد روعة الاستضافة والتنظيم وتذليل العقبات أمام الجميع. 
أيضاً جاءت الوجوه الثقافية العربية والعالمية لتتبادل الحوار والأسئلة حول مستقبل الثقافة وبناء المزيد من الجسور بين الأمم من بوابة الكتاب والأدب والفنون، وجاء الشاعر العربي الكبير أدونيس ليقدم سلسلة من الجلسات حول مستقبل الشعر، طارحاً رؤاه التنويرية وتصوراته لمستقبل الثقافة واللغة، وسرّني أن حصلت على نسخة من كتابه الشعري الأخير «أدونيادا»، وهو ملحمة شعرية تقع في أكثر من 400 صفحة يُشرّحُ من خلالها أدونيس ثيمات السؤال الإنساني ويدوّن همومه وتصوراته في الحب والحياة والوجود، ويكشف الكتاب عن الطاقة الكبيرة في فن توليد المعاني التي يملكها هذا الشاعر المتفرّد في صوته ورؤاه.
من الأنشطة المحببة في معرض هذا العام، المجهود المتميز الذي تقدمه الأستاذة أسماء صديق المطوّع عبر صالونها الأدبي، حيث تستضيف يومياً زوجين لهما علاقة بالإبداع والفكر، وتحاول أن تتلمّس جانباً من حياتهما كاثنين يتعاطيان مع الإبداع وكيف يؤثر هذا الإبداع على تفاصيل علاقتهما اليومية في البيت والعمل، وهي فكرة جديدة غير مسبوقة أضافت بعداً إنسانياً على مواضيع المحاضرات والندوات التي عادة ما تتسم بالصرامة النقدية والفكرية.
أما الجانب الأروع، فهو هذا الكم الكبير من الحضور الإبداعي لأبناء الإمارات على مستوى دور النشر المحلية التي تستلهم من بيئة وتراث الإمارات الكثير والكثير من الإصدارات النوعية في كافة المجالات.. 
هناك روايات كثيرة ومشاريع كتب وأصوات شابة وأصحاب دور نشر شباب كلهم وجدوا في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منصة انطلاقهم نحو أحلامهم.. تُضاء الطريق نحو المستقبل بشعلة المعرفة، والكتاب هو البوابة الكبيرة التي يمكن للمجتمعات أن تعبر منها بثقة نحو غد أجمل وأسعد.