إن كان للوداع تلك الغصة والمرارة، وإن كان حزن الوطن ثقيلاً ودمعه هطيلاً، إلا أن البشارة بالخير والرضا، والبشارة بالأمن والأمان والاستقرار، والبشارة بأن الوطن والأهل على العهد والوعد والوفاء باقون، والبشارة بأن من خلف هو سليل من سلف، سليل مجد قروم، وأحد رجالات التاريخ المعاصر، وقادة العالم المتميزين، يعرف الجميع سبّابته إن رفعت، ويعرف كفه إن أشّرت، ويعرف أن وجهه الخير، ووجهه البأس والحزم، ويعرف سابق عهده وصنعه، ويعرف موطن إنسانيته وفعله، ونعرف وحدنا كم نحن محظوظون به ومعه، مطمئنون له، لا نحمل هماً في حاضرنا وفي حضوره، ولا يقلقنا مستقبل يسبق نظرتنا إليه، ويقودنا صوبه ونحوه، ويجاوز بنا بحوره.
فاللهم اجعل من دموع الوطن على الغائب، الراحل خليفة الخير والكف البيضاء، برداً وسلاماً وترحماً عليه، ودعوات لا تنقطع بأنه أدى الأمانة، وخدم البلاد وأسعد العباد، وجعل من الاتحاد دولة رقي وتمكين، فالراحل شكره أكثر، وذكره أخضر، معطر بالرجاء، مضمخ بالعطاء، وأن يسبغ عليه المولى الرحمن فائض الرحمة، وجليل المغفرة، وأن يجعله في فسيح جناته، وأن يضيء قبره بقبس من نوره، وأن يؤنس وحدته، ويجعله من الشفعاء والمرضيين والصديقين.
زايد.. خليفة.. محمد، مجد يورث مجداً، وصدق يتواصل بصدق ويتبعه الفعل، ما خاب الرجاء، وإن كان صغيراً، ولا ضاعت الأحلام، صغيرة ولا كبيرة، ولا اشتكينا يوماً إلا وتداعت القلوب والنفوس كلها بالسهر والحمى، رجالات صنعوا السعادة في بقعة طيبة، وأسعدوا أناسها، أولئك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وما وعدوا الناس به، وما صنعوا من أجل بناء وطن، وتمكين دولة، وهذا الرجل الآتي خلفاً لسلف.. لسلف، عجنته الأيام، وعلمه الأب، ودفع به الخصوم، وأوفده للصديق والشقيق والمشكك، فكان عينه وقلبه، وإن لزم الأمر سيفه ودرعه، وخنجره إن سُلّ، وعمل مع الأخ الكبير فكان العون والسند والعضد، كانت عينه عليه، وقلبه معه، ويده عنه، كان كبيراً كما ينبغي للكبار أن يكونوا مع الكبير، طوال الأيام في سابقها وتليدها، مقبّلاً الرأس -لا هان رأسه- وملثماً اليد - لا وهنت يده- يثني ركبته لينصت لهمس أخيه الكبير - لا خانت به الركب- هذا الرجل تعرفه الإمارات حجراً ورملاً وبحراً، طيناً ومدراً وشجراً، ويعرفها هو مثل راحة كف يده.. وهذا يكفي ويكفيه.
ما شاد المؤسس زايد، وما أكمل الباني خليفة، يعرف «أبو خالد» أي إرث وأي ثقل وأي أمانة يحملها، وأي أحلام سينطلق بها ومنها، وأي مرحلة تاريخية مقبل عليها، وأن بعد التأسيس والتمكين، هناك مرحلة جديدة من التمتين والتقنين، وسبر العصر والمستقبل، وما بعده من عوالم افتراضية، وذكاء اصطناعي، وبدائل للطاقة، وبناء جيل رقمي ومواطنة كوكبية، غير أنها راسية الجذور، عميقة الانتماء للأرض والوطن وجذور الأجداد الأولين، وخصوصية الهوية، ومعنى أن تكون إماراتياً وخليجياً وعربياً وإسلامياً وإنساناً حضارياً.. على الوعد والعهد وروح الانتماء كما عاهدنا زايد المؤسس، وخليفة البناء والتمكين، نعاهد ونساند في البأساء، والسراء، والضراء، زعيمنا ورئيس دولتنا وقائدنا، تاج الرؤوس محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله ورعاه، وسدد بالخير خطوه وخطاه…